يشهد الحرب مع أصحابه ، وقد أحضر المشايخ ، وكتب بما جرى إلى مصر ، وعمل محضرا على نفسه أنه «متى جاء للملك عضد الدولة عسكر أغلق الأبواب وقاتله ليكون لك معونة على ما يريده» ، فلما وقف عليه العزيز وافق غرضه ، وأنفذ رسله وكتابه إلى سلمان بن فلاح يأمره بالرحيل عن دمشق ، فرحل عنها وكان مقامه بها شهورا من سنة تسع وستين وثلاثمائة ورجع القائد أبو محمود إلى دمشق ، ولما تم للفضل ما دبره على أبي تغلب ووافق الاغراض عزموا على إعمال الحيلة على ابن جراح لأن أمره كبر وشره ظهر (١) ، وتوجه إلى قسام ليعمل أيضا عليه ، وأظهر أنه يريد المسير إلى حمص وحلب ليأخذهما ، وجمع بني عقيل ونزل بظاهر دمشق ، وعلم ابن الجراح بمكاتبته لبني عقيل فأخذ حذره وأمر أصحابه بالرحيل ، وركب أصحاب الفضل وأخذوا من العرب تقدير خمسمائة فارس ، وسار ابن جراح عن دمشق ، وانضمت بنو عقيل إلى الفضل مع شبل وظالم في صفر سنة سبعين وثلاثمائة وبطل كل ما أراد الفضل عمله من الحيلة على ابن جراح وقسام ، ورحل عن دمشق في طلب ابن جراح ، وجد في طلبه فبعد عنه ، وكتب ابن جراح إلى مصر يتلطف أمره فورد الأمر على الفضل بالكف عنه ، وعاد الفضل إلى مصر وعاد ابن جراح إلى فلسطين فأخربها وأهلك من فيها ، وكان الرجل يدخل إلى الرملة يطلب فيها شيئا يأكله فلا يجده ، ومات الناس بالجوع ، وخربت الأعمال.
وأما دمشق فكان قد اشتد بها غلاء السعر ، وكان بكجور قد ولي حمص من قبل سعد (٢٠ و) الدولة أبي المعالي بن سيف الدولة بن حمدان فواصل إليها الغلة مع العرب بحيث اتصلت مع الأيام ، وعمرت
__________________
(١) شكل نشاط أمراء طيء من آل الجراح في فلسطين خطرا كبيرا على الخلافة الفاطمية ، وقد نلحظ مشاعر الادارة الفاطمية تجاه هذا الخطر في وصية يعقوب بن كلس للخليفة العزيز عند ما زاره وهو على فراش الموت حيث قال له فيما قال : «سالم الروم ما سالموك ، واقنع من الحمدانية بالدعوة والسكة ، ولا تبقى على مفرج بن دغفل متى اعترضت لك فيه فرصة» انظر الاشارة إلى من نال الوزارة : ٢٣.