وسبط ابن الجوزي وإن كان عراقي الأصل إلا أنه كان شامي العطاء والإسهام والوفاة ، ومثله كان اليونيني ، فيونين بلدة من أعمال بعلبك ، لكنها وبعلبك كانت دمشقية شامية.
وتمت الإشارة من قبل إلى الدور الذي شغله علماء الدين الإسلامي في أيام الحروب الصليبية ، وإلى المكانة الرفيعة التي احتلوها منذ إصلاحات الوزير السلجوقي نظام الملك ، وفي العصرين السلجوقي والأيوبي ، غالبا ما أقدم الحكام على تكليف بعض العلماء بأعمال إدارية ، أو مهام دبلوماسية من سفارات ومفاوضات ، فبهذه الطريقة كان أبو المحاسن يوسف بن شداد قد تعرف على صلاح الدين ودخل في خدمته ، وهكذا فعل من بعده سبط ابن الجوزي بالتعرف على أبناء العادل الأيوبي وإسهامه في أحداث عصرهم.
وسبط ابن الجوزي هو حفيد المؤرخ الكبير ، والعالم الجليل المعطاء ابن الجوزي ، الذي احتل مرتبة الواعظ الأول في بغداد ، لكن مكانته قد تقلقلت كثيرا بعد ما أسس عبد القادر الجيلي زوايته في بغداد ، حيث أدخل التصوف في مرحلة تنظيمية جديدة ، قد يجد الإنسان فيها كثيرا من الاستعارات من تجربة الدعوة الاسماعيلية ، ولا سيما الجديدة منها ، التي أسسها حسن الصباح.
وكادت الزاوية الجيلية أن تلغي دور الواعظ ، حتى أن ابن الجوزي تعرض لمأساة انهيار مكانته ونفيه من بغداد إلى واسط ، وتأخر وصول التجربة الجيلية الجديدة إلى بلاد الشام ، وظل الواعظ يتمتع في دمشق بمكانة عالية ، ولعل من أسباب ذلك استمرار وضع المواجهة مع الصليبيين ثم مع المغول ، وبقاء روح الجهاد متقدة بين صفوف الدمشقيين ، ولهذا السبب بين أسباب أخرى ، جاء سبط ابن الجوزي إلى الشام ، وقام بالدور الوعظي الذي كان يقوم به جده في بغداد قبل محنته ، وشغل دوره في إثارة روح الجهاد في وجه الحرب المقدسة التي حمل