الفضل؟ فقلت : نعم ، فقال : لبّيك ، فداك أبي وأمّي ، ما وراءك (١) ، فقلت : هذا رسول الله صلىاللهعليهوسلم في الناس قد دلف إليكم بما لا قبل لكم به في عشرة آلاف من المسلمين ، قال : فكيف الحيلة ، فداك أبي أمّي؟ فقلت : تركب في عجز هذه البغلة فأستأمن لك رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فإنه والله لئن ظفر بك ليضربن عنقك ، فردفني فخرجت أركض به بغلة رسول الله صلىاللهعليهوسلم نحو رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فكلما مررت بنار من نيران المسلمين فنظروا إليّ قالوا : عمّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم على بغلة رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى مررت بنار عمر بن الخطاب فنظر فرآه خلفي ، فقال عمر : أبو سفيان ، الحمد لله الذي أمكن منك بغير عهد ولا عقد ، ثم اشتد نحو رسول الله صلىاللهعليهوسلم وركضت البغلة حتى اقتحمت على باب القبّة وسبقت عمر بما تسبق به الدابة البطيئة الرجل البطيء ، فدخل عمر على رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : يا رسول الله هذا أبو سفيان عدو الله قد أمكن الله منه بغير عهد ولا عقد ، فدعني أضرب عنقه ، فقلت : يا رسول الله إني قد أمنته ، ثم جلست إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأخذت برأسه وقلت : والله لا يناجيه الليلة أحد دوني ، فلما أكثر فيه عمر قلت : مهلا يا عمر ، فو الله ما تصنع هذا إلّا أنه ـ وقال أبو العباس : لأنه ـ رجل من بني عبد مناف ، ولو كان من بني عدي بن كعب ما قلت هذا ، فقال عمر : مهلا يا عباس ، فو الله لإسلامك يوم أسلمت كان أحبّ إلي من إسلام الخطاب لمّا أسلم ، وما ذاك إلّا أني قد عرفت أن إسلامك كان أحبّ إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم من إسلام الخطاب لو أسلم ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «اذهب به فقد أمّناه حتى تغدوا به علي به بالغداة» فرجع إلى منزله ، فلما أصبح غدا به على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، زاد أبو العبّاس : فلما رآه رسول الله صلىاللهعليهوسلم [قال :] «ويحك يا أبا سفيان ، ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلّا الله؟» قال : بأبي أنت وأمّي ، ما أوصلك وأرحمك وأكرمك ، فقال : والله لقد ظننت أن لو كان مع الله غيره لقد أغنى شيئا بعد ، فقال : «ويحك يا أبا سفيان أولم يأن لك أن تعلم أني رسول الله؟» فقال : بأبي أنت وأميّ ما أوصلك وأرحمك وأكرمك ، أما والله هذه فإن في النفس منها شيئا.
فقال العباس : فقلت : ويلك تشهّد بشهادة الحق قبل ، والله أن تضرب عنقك ، فتشهّد ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم للعبّاس حين تشهد أبو سفيان : «انصرف به يا عباس فاحبسه عند حطم (٢) الجبل بمضيق الوادي حتى يمر عليه جنود الله» فقلت له : يا رسول الله إن أبا
__________________
(١) عن البيهقي وبالأصل : «فاوراك».
(٢) في البيهقي : خطم ، بالخاء المعجمة.