جيّدا (١).
__________________
ـ الثالث : أنّ بين المشروط ومطلقه وبين الخاصّ وعامّه فرقا ، وهو يوجب الحكم بجريان البراءة النقليّة في الأوّل وعدمه في الثاني.
وحاصل الفرق بينهما : أنّ الشرطيّة خصوصيّة تنتزع من أمر الشارع ، فتكون قابلة للوضع والرفع بتبع منشأ انتزاعها ـ أي : أمر الشارع ـ ، فلا مانع من نفيه بحديث الرفع عند الشكّ فيه. بخلاف خصوصيّة الخاصّ ، كخصوصيّة الناطقيّة للحيوان ، فإنّها منتزعة عن ذات المأمور به ، لا من أمر خارج عنه كي تكون قابلة للرفع ، وحينئذ يدور الأمر بين وجوب الخاصّ ووجوب العامّ ، فيكونان من قبيل المتباينين ، والاشتغال اليقينيّ يقتضي الإتيان بالخاصّ احتياطا.
(١) لا يخفى : أنّ ما أفاده المصنّف في هذا التنبيه تعريض بالشيخ الأعظم الأنصاريّ ، فإنّه ذهب إلى جريان البراءة في كلا الموردين. راجع فرائد الاصول ٢ : ٣٥٧.
ولا يخفى أيضا : أنّ الأعلام الثلاثة والسيّدين العلمين خالفوا المصنّف قدسسره في المقام :
أمّا المحقّق النائينيّ : فذهب إلى جريان البراءة العقليّة والنقليّة في دوران الأمر بين المشروط ومطلقه ، بدعوى أنّ كلّا من الشرط والجزاء ممّا تناله يد الوضع والرفع التشريعيّين ، ولو بوضع منشأ انتزاعهما ورفعه.
وذهب إلى عدم جريان البراءة في دوران الأمر بين الخاصّ وعامّه. واستدلّ عليه تارة برجوعه إلى دوران الأمر بين التعيين والتخيير ، لأنّه لا معنى للقول بأنّ تعلّق التكليف بالجنس متيقّن ، فإنّ الجنس لا تحصّل له في الخارج إلّا في ضمن الفصل ، فلا يعقل تعلّق التكليف به إلّا إذا كان متميّزا بفصل ، فتقيّده بالفصل متيقّن ، وإنّما الشكّ في تقيّده بفصل معيّن ـ كالناطقيّة ـ كي يكون المكلّف به هو الحيوان الخاصّ ، أو بفصل من فصوله كي يكون المكلّف به هو الحيوان العامّ ، فيدور الأمر بين التعيين والتخيير ، والعقل يحكم بالتعيين ، فلا مجال للبراءة. وتارة اخرى بأنّ الترديد بين الجنس والنوع وإن كان بالتحليل العقليّ من الأقلّ والأكثر ، إلّا أنّه بنظر العرف يكون من الترديد بين المتباينين. فوائد الاصول ٤ : ٢٠٨.
ثمّ أنّه تعرّض لأقسام دوران الأمر بين التعيين والتخيير واختار في جميعها الحكم بالتعيين. فراجع فوائد الاصول ٣ : ٤١٧ ـ ٤٣٥.
وأمّا المحقّق العراقيّ : فإنّه أيضا فصّل بين دوران الأمر بين المشروط ومطلقه وبين دورانه بين الخاصّ وعامّه ، فذهب إلى جريان البراءة ـ عقلا ونقلا ـ في الأوّل وعدم جريانها في الثاني.
واستدلّ على الأوّل بأنّ مرجع الشكّ في شرطيّة شيء للمأمور به إلى الشكّ في أنّ موضوع التكليف النفسيّ هل هو ذات الشيء أو الشيء مقيّدا بشيء آخر ، وحينئذ تجري البراءة.
واستدلّ على الثاني بعدم تحقّق ملاك الأقلّ والأكثر فيه ، فإنّ الملاك هو كون الأقلّ على ـ