[خروج الحكومات والتوفيقات العرفيّة عن التعريف]
وعليه فلا تعارض بينهما بمجرّد تنافي مدلولهما إذا كان بينهما حكومة رافعة للتعارض والخصومة ، بأن يكون أحدهما قد سيق ناظرا إلى بيان كميّة ما اريد من الآخر ، مقدّما كان أو مؤخّرا (١).
أو كانا على نحو إذا عرضا على العرف وفّق بينهما بالتصرّف في خصوص أحدهما ، كما هو مطّرد في مثل الأدلّة المتكفّلة لبيان أحكام الموضوعات بعناوينها الأوّليّة (٢) مع مثل الأدلّة النافية للعسر (٣) والحرج (٤)
__________________
ـ إلّا أنّه لا وجه لإخراجها عن مقاصد الباب لمحض عدم إعمال المرجّحات السنديّة أو التخيير في مواردها ، ليكون التكلّم في أحكام الجمع وما يتعلّق به في هذا المبحث استطرادا. نهاية الأفكار ٤ (القسم الثاني) : ١٢٥.
الثالث : أنّه لا حاجة إلى ذكر كلمة «التضادّ» في التعريف ، لأنّ التضاد يرجع إلى التناقض باعتبار الدلالة الالتزاميّة ، فإنّ الدليل على الوجوب ينفي الحرمة بالالتزام كما أنّ الدليل على الحرمة ينفي الوجوب بالالتزام ، فيكون أحدهما دالّا على الوجوب بالمطابقة والآخر على عدمه بالالتزام ، وكذا بالنسبة إلى دليل الحرمة. راجع حواشي العلّامة المشكينيّ على الكفاية ٥ : ١١٦ ، ومصباح الاصول ٣ : ٣٤٦.
وفيما ذكروه مناقشات ، يطول شرحها ، ولا يهمّ التعرّض لها الآن ، بل ينافي ما كنا بصدده من الاكتفاء بإيضاح كلمات المصنّف رحمهالله والإشارة إلى بعض ما أفاده تلاميذه.
(١) فلا تعارض بين ما يدلّ على أنّ وظيفة الشاكّ في عدد الركعات هو البناء على الأكثر وبين ما دلّ على أنه لا شكّ لكثير الشكّ ، فإنّ الدليل الثاني حاكم على الدليل الأوّل ، لدلالته على أنّ كثير الشكّ ليس بنظر الشارع من أفراد الشكّ.
(٢) كقوله تعالى : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) النور / ٥٦ ، وقوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) البقرة / ١٨٣ ، وقوله تعالى : (لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) آل عمران / ٩٦ ، وقوله تعالى : (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) الأنعام / ١٢١ ، وغيرها من الآيات الدالّة على ثبوت الأحكام الوجوبيّة أو التحريميّة للموضوعات بعناوينها الأوّليّة.
(٣) كقوله تعالى : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) البقرة / ١٨٥.
(٤) كقوله تعالى : (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) الحجّ / ٧٨.