__________________
ـ إذا كان الحكم مستورا عن جميع العباد ، فلا يشمل ما إذا كان الحكم مستورا عن بعضهم ـ لا عن الكلّ ـ ، فلا يرفع حتّى بالنسبة إلى الجاهلين.
ولكن لا يخفى : أنّ الكلّ مخدوش :
أمّا الأوّل : فلأنّ مقتضى عموم الحديث شموله للشبهات الموضوعيّة أيضا. ولا وجه لتوهّم اختصاصه بإحدى الشبهتين. واستناد الحجب إليه تعالى وإن كان يختصّ بالأحكام المجهولة ، إلّا أنّ منشأ الجهل بها قد يكون فقدان النص أو إجماله ـ كما في الشبهات الموضوعيّة ـ وقد يكون الاشتباه في الامور الخارجيّة ـ كما في الشبهات الموضوعيّة ـ ، وبهذا الاعتبار يشمل الحديث كلتا الشبهتين.
وأمّا الثاني : فأجاب عنه المحقّق الاصفهانيّ في نهاية الدراية ٢ : ٤٤٧ ـ ٤٤٨. وحاصل ما أفاده : أنّ التكليف اللزوميّ بملاحظة ثقله على المكلّف يكون على المكلّف ؛ ولذا كما يتعدّى الوجوب بحرف الاستعلاء بالإضافة إلى المكلّف فيقال : «لا يجب عليه» كذلك الحرمة تتعدّى به بالإضافة إليه فيقال : «يحرم عليه».
كما تشهد الاستعمالات القرآنيّة حتّى في المحرّمات التكوينيّة ، كقوله تعالى : (وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ) القصص / ١٢ ، وقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ) الأعراف / ٥٠ ، إلى غير ذلك.
وأمّا الثالث : فلأنّه لا يعقل أن يكون جهل بعض الأشخاص دخيلا في رفع الحكم عن الآخرين ، كما لا يعقل أن يكون علم بعضهم بالأحكام دخيلا في ثبوته للآخرين.
المقام الثالث : الوجوه الّتي توجب كون الحديث تامّ الدلالة على المدّعى. وهي ما يلي :
١ ـ أن يكون المراد بالموصول في «ما حجب» كلّ حكم أو موضوع ذي حكم. وأن يكون المراد بالحجب أنّ الله بلّغ الأحكام وبيّنها للناس ، لكنّها خفيت على العباد لبعض الأسباب الخارجيّة. وأن يكون المراد من العباد طبيعيّ العباد الصادق على البعض والكلّ. وهذا ما أفاده السيّد لمحقّق الخوئيّ في مصباح الاصول ٢ : ٢٧١ ـ ٢٧٢.
٢ ـ أن يكون المراد بالموصول في «ما حجب» كلّ من كان محجوبا عن الحكم. وأن يكون المراد بالحجب والعباد ما مرّ في الوجه السابق. وهذا ما أفاده السيّد الإمام الخميني في أنوار الهداية ٢ : ٧٠ ـ ٧١.
وبالجملة : فيمكن الاستدلال بالحديث على البراءة بأحد تقريبين :
الأوّل : أنّ الحديث يدلّ على أنّ الأحكام الّتي بيّنها الله تعالى للعباد وخفيت عليهم لإخفاء الظالمين وغيره من الأسباب الشرعيّة مرفوعة عنهم في ظرف الجهل بها. فيدلّ على البراءة. ـ