فصل
[في التخطئة والتصويب]
اتّفقت الكلمة على التخطئة في العقليّات. واختلفت في الشرعيّات :
فقال أصحابنا بالتخطئة فيها أيضا ، وأنّ له تبارك وتعالى في كلّ مسألة حكما يؤدّي إليه الاجتهاد تارة ، وإلى غيره اخرى (١).
وقال مخالفونا بالتصويب ، وأنّ له تعالى أحكاما بعدد آراء المجتهدين ، فما يؤدّي إليه الاجتهاد هو حكمه تبارك وتعالى (٢).
ولا يخفى : أنّه لا يكاد يعقل الاجتهاد في حكم المسألة إلّا إذا كان لها حكم واقعا ، حتّى صار المجتهد بصدد استنباطه من أدلّته وتعيينه بحسبها ظاهرا.
فلو كان غرضهم من التصويب هو الالتزام بإنشاء أحكام في الواقع بعدد الآراء ـ بأن تكون الأحكام المؤدّية إليها الاجتهادات أحكاما واقعيّة ، كما هي ظاهريّة ـ فهو وإن كان خطأ من جهة تواتر الأخبار وإجماع أصحابنا الأخيار على أنّ له تبارك وتعالى في كلّ واقعة حكما يشترك فيه الكلّ ، إلّا أنّه غير محال.
__________________
(١) راجع الذريعة إلى اصول الشريعة ٢ : ٧٥٨ ، عدّة الاصول ٢ : ٧٢٥ ـ ٧٢٦ ، قوانين الاصول ١ : ٣٦٦ و ٤٤٩ ، فرائد الاصول ٢ : ٢٨٤.
(٢) نسب القول بالتصويب إلى المعتزلة وأبي الحسن الأشعريّ في كتاب إرشاد الفحول : ٢٦١. ونسب إلى الأشعريّ والقاضي أبي بكر الباقلانيّ وجمهور المتكلّمين من الأشاعرة والمعتزلة في كتاب نهاية السئول ٤ : ٥٦٠.