[التنبيه] الأوّل : [اشتراط جريانها بعدم وجود أصل موضوعيّ في موردها]
أنّه إنّما تجري أصالة البراءة شرعا وعقلا فيما لم يكن هناك أصل موضوعيّ (١) مطلقا ، ولو كان موافقا لها (٢) ، فإنّه معه لا مجال لها أصلا ، لوروده عليها (٣) ـ كما يأتي تحقيقه ـ.
__________________
(١) ولا يخفى : أنّ المصنّف قدسسره ـ تبعا للشيخ الأعظم الأنصاريّ في فرائد الاصول ٢ : ١٠٩ و ١٢٧ ـ عبّر عن هذا الأصل بالأصل الموضوعيّ. وليس مرادهما من الأصل الموضوعيّ خصوص الأصل الجاري في الموضوع ، بل المراد منه كلّ أصل مقدّم على البراءة ، سواء كان جاريا في الموضوع ، كما لو علم بخمريّة مائع ثمّ شكّ في انقلابه خلّا ، فإنّ استصحاب الخمريّة يرفع موضوع أصالة البراءة عن حرمة شربه ، أو كان جاريا في الحكم ، كما إذا شكّ في جواز وطء الحائض بعد انقطاع الدم وقبل الاغتسال ، فإنّ جريان استصحاب الحرمة السابقة يمنع عن التمسّك بأصالة البراءة.
ويشهد بذلك ما أفاده الشيخ الأعظم في مقام التفريع على الشرط المذكور بقوله : «استصحاب الحرمة حاكمة على أصالة الحرمة». فرائد الاصول ٢ : ١٢٧.
ولعلّ وجه التعبير بالأصل الموضوعيّ هو التسالم على جريان الاستصحاب في الموضوع ووقوع الخلاف في جريانه في الأحكام.
وعن المحقّق النائينيّ أيضا أنّ مراد الشيخ والمصنّف من الأصل الموضوعيّ كلّ أصل متكفّل لتنزيل مؤدّاه منزلة الواقع بحسب الجري العمليّ ، سواء كان المؤدّى موضوعا خارجيّا أو حكما شرعيّا ، فإنّه كان حاكما على البراءة في كلتا الصورتين. فوائد الاصول ٣ : ٣٨٠ ، وأجود التقريرات ٢ : ١٩٣.
وعلى ما ذكر فكان الأولى أن يقول : «فيما لم يكن هناك أصل وارد ...».
(٢) توضيحه : أنّ عدم جريان أصالة البراءة فيما إذا جرى الأصل المقدّم لا يختصّ بما إذا كان مفاد الأصل المقدّم منافيا لما يقتضيه أصل البراءة ـ كما إذا اقتضى الاستصحاب خمريّة مائع شكّ في انقلابه خلّا فيكون شربه حراما ، واقتضى أصل البراءة جواز شربه ـ ، بل يعمّ ما إذا كان مفاده موافقا لأصل البراءة ، كما إذا اقتضى الاستصحاب خلّيّة مائع شكّ في انقلابه خمرا فيكون شربه حلالا ، واقتضى أصل البراءة حلّيّته أيضا.
(٣) قوله : «لوروده» تعريض بالشيخ الأعظم الأنصاريّ ، فانّه جعل الوجه في تقدّم الأصل الموضوعيّ ـ بالمعنى الأعمّ ـ على البراءة هو الحكومة. راجع فرائد الاصول ٢ : ١٠٩ و ١٢٧.
وأمّا الوجه في وروده على البراءة أنّ موضوع البراءة العقليّة هو عدم البيان ، كما أنّ ـ