حسّان ، فو الله ما أراد غيرك وغيري ، لنحن أقرب إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم منه ، فأبى جعيل أن يذهب ، قال : لا أفعل إن لم يأمرني رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ولا تفعل أنت حتى تؤامر رسول الله صلىاللهعليهوسلم في ذلك ، فأبى صفوان عليه ، فخرج مصلتا السّيف حتى ضرب حسّان بن ثابت في نادي قومه ، فوثبت الأنصار إليه فأوثقوه رباطا ، وكان الذي تولى ذلك منه ثابت بن قيس بن شماس ، وأسروه أسرا قبيحا ، فمرّ بهم عمارة بن حزم فقال : ما يصنعون ، أمن أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم ورضاه ، أم من أمر فعلتموه؟ قالوا : ما علم به رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، قال : لقد اجترأت ، خلّ عنه ، ثم جاء به وبثابت إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال حسّان : يا رسول الله شهر عليّ السيف في نادي قومه (١) ، ثم ضربني لأن أموت ، ولا أراني إلّا ميتا من جراحتي ، فأقبل رسول الله صلىاللهعليهوسلم على صفوان فقال : «ولم ضربته وحملت السّلاح عليه» وتغيّظ رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : يا رسول الله أذاني وهجاني (٢) وسفّه عليه وحدّني على الإسلام ، ثم أقبل على حسان فقال : أسفهت على قوم أسلموا ، ثم قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «احبسوا صفوان فإن مات حسّان فاقتلوه به» فخرجوا بحسّان ، فبلغ (٣) سعد بن عبادة ما صنع بصفوان ، فخرج في قومه من الخزرج حتى أتاهم ، فقال : عمدتم إلى رجل من قوم رسول الله صلىاللهعليهوسلم تؤذونه وتهجونه بالشعر وتشتمونه ، فغضب لما قيل ، ثم أسرتموه أقبح الإسار ورسول الله صلىاللهعليهوسلم بين أظهرهم ، قالوا : فإن رسول الله صلىاللهعليهوسلم يحبسه ، وقال : إن مات صاحبكم فاقتلوه ، قال سعد : والله إنّ أحبّ إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم للعفو (٤) ولكن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قد قضى لكم بالحق ، وأن رسول الله صلىاللهعليهوسلم يعني ليحبّ أن يترك صفوان ، والله لا أبرح حتى يطلق ، فقال حسّان : ما كان لي من حقّ فهو لك يا أبا ثابت ، وإلى (٥) قومه ، فغضب قيس ابنه غضبا شديدا فقال : عجبا لكم ما رأيت كاليوم ، إن حسّان قد ترك حقه وتأبون أنتم ، ما ظننت أن أحدا من الخزرج يردّ أبا ثابت في أمر يهواه ، فاستحيا القوم ، وأطلقوه من الوثاق ، فذهب به سعد إلى بيته فكساه حلة ، ثم خرج صفوان حتى دخل المسجد ليصلي فيه ، فرآه رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : «صفوان؟» قالوا : نعم يا رسول الله ، قال : «من كساه؟» قالوا : كساه سعد بن عبادة ، قال : «كساه من
__________________
(١) الواقدي : نادي قومي.
(٢) الواقدي : «وحسدني».
(٣) عن الواقدي وبالأصل : «قبلي».
(٤) بالأصل : العفو.
(٥) في الواقدي : وأبى قومه.