هرة رأسها من زمردة ، وظهرها من درّ ، وبطنها من ياقوت ، وذنبها وقوائمها من لؤلؤ ، فالله أعلم.
قال : فإذا أرادوا القتال قدموا التابوت ثم يكون أعلامهم وراياتهم خلف التابوت ، وهم وقوف خلف ذلك ينتظرون تحريك التابوت ، فتصيح الهرة فيسمعون صراخا كصراخ الهرة ، فيخرج من التابوت ريح هفافة ، فيرفع التابوت بين السماء والأرض ، ويخرج منها لسانات ظلمة ونور فتضيء على المسلمين ، وتظلم على الكفار ، فيقاتل القوم ، ينصرون ، فلما رأوا التابوت قد ردّ عليهم أقرّوا لطالوت بالملك ، واستوسقوا له على التابوت ، فخرجوا بهم طالوت وجدّوا في حرب عدوّهم ، ولم يتخلف عنه إلّا كبير وضرير ومعذور ، ودخل في صنعة لا بد له من التخلف ، فقالوا لبعضهم إنّ الجباب والآبار لا تحلمنا فادع الله لنا أن يجري لنا نهرا ، فدعا ربه فأجرى لهم نهرا من الأردن ، يقال له سهم أشموئيل اعلموا (إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ ، فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ) فاقتحم فيه (فَلَيْسَ مِنِّي) ، وقال لطالوت ليس ممن يقاتل معك ، فردّهم عنك (وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي) يقاتل معك فامض بهم فذلك قوله عزوجل : (إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ)(١) وكانت الغرفة للرجل ودوابّه وعياله تملأ قريبة ، قال : فشربوا منه إلّا قليلا منهم.
قال : وأخبرني جويبر عن الضّحّاك ، عن ابن عباس قالوا : كانوا مائة ألف وثلاثة آلاف وثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا فشربوا منه كلهم إلّا ثلاثمائة وثلاثة عشر عدة أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم يوم بدر ، قال : فردّهم طالوت ، ومضى في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا (٢) ، فلما جاور النهر ـ يعني طالوت والذين آمنوا معه ـ قالوا : (لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللهِ) ـ يعني يؤمنون ويوقنون بالبعث ـ (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ ، وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ)(٣).
وكان أشموئيل النبي صلىاللهعليهوسلم دفع إلى طالوت درعا ، فقال له : من استوى هذا الدرع عليه فإنه يقتل جالوت بإذن الله عزوجل ، ونادى منادي طالوت : من قتل جالوت زوّجته انشى وله نصف ملكي ومالي ، وكان إخوة داود معه ، وهم أربعة إخوة ، وكان إيشا أبو
__________________
(١) سورة البقرة ، الآية : ٢٤٩.
(٢) انظر الطبري ١ / ٢٤٣ وفي البداية والنهاية ٢ / ١٠ بضعة عشر وثلاثمائة مؤمن.
(٣) سورة البقرة ، الآية : ٢٤٩ يعني بها الفرسان منهم ، والفرسان أهل الايمان والإيقان الصابرون على الجلاد والطعان والجدال.