وقد تسنى لي شخصيا أن اسافر من الرأس الأسود (وتقع على ساحل البحر جنوبي جدّة على بعد زهاء ٢٠ فرستا) إلى مكة ومنها إلى عرفات ثم من مكة في طريق غاير إلى المدينة ومنها إلى ينبع. أما الطرق الأخرى ، فكنت استفيد بصددها من المواصفات التي وضعها محمد صادق باشا الذي قاد مرارا المحمل المصري والذي عبر جميع الطرق الرئيسية في الحجاز.
الطريق من جدّة إلى مكة ومنها إلى عرفات
الطريق بين جدّة ومكة هو أكثر السبل انتعاشا وانسبها في الحجاز ؛ طوله زهاء ٧٠ فرستا ؛ وتحرسه علة كل امتداده مخافر يضم كل منها ١٠ ـ ١٢ رجلا ، ويبعد الواحد منها عن الآخر ٥ فرستات تقريبا. وفي النقاط التي يتوفر فيها الماء ، توجد سقائف من القصب ، وهي ضرب من خانات قهوة أي مقاه يمكن الحصول فيها على القهوة والشاي. وعلى طول الطريق حتى حدة غير مستطاب في كل مكان. وبمحاذاة الطريق ينطلق الخط التلغرافي الواصل حتى مكة على أعمدة جيدة من الحديد الصب ، ومنها عبر عرفات إلى مدينة الطائف على أعمدة خشبية.
من جدّة إلى البحرة ، تتجه الطريق شرقا ، وتتصاعد بصورة غير ملحوظة ، وتعبر قاعا منبسطا لواد عريض محاط بجبال غير عالية ، مغطاة هنا وهناك باجمات من الشعب القاسي والشجيرات الشائكة «الشوك» ؛ والتربة صلبة في كل مكان. وعلى بعد ٦ فرستات تقريبا عن نقطة الانطلاق ، تقع أول قهوة في الرأس القائم ، وتقع «القهوة» التالية في رغامه ، على بعد ٤ فرستات تقريبا ، ثم ، على البعد ذاته ، قهوة جراده ، ثم على بعدين متساوين ، زهاء ٢ / ١ ٢ فرستا ، قهوة فرقاد وقهوة عوض ؛ وعلى بعد ٦ فرستات تقريبا من عوض يدخل الطريق وادي فاطمة العريض وينعطف إلى الشمال الشرقي ، متواجدا دائما في وسط الوادي المذكور.