إلى أسفار أغلبية سكان هذه المدينة إلى البلدان الأخرى ؛ فبعد رحيل الحجاج ، يقومون برحلات إلى جميع البلدان التي يعيش فيها المسلمون لكي ينالوا «البدل» أي التكليف بالقيام بفرائض الحج بالنيابة عن أحد ما لقاء مكافأة معينة ؛ وبما أنهم شعب محب للمعرفة والاستطلاع وحساس جدّا ، فإنهم يهتمون بكل شيء ويتفحصون كل شيء ، وأحاديثم عن الأمم الأخرى غالبا ما تكون صحيحة وصائبة ودقيقة جدّا.
يبقى أن أقول أن العرب حرفيون ممتازون في الشغل على الحجر وعلى الخشب ، ويملكون ذوقا رفيعا جدّا. ومباني الحرمين الشريفين في مكة المكرّمة والمدينة المنورة تتميز بعمل بارع جدّا. والمباني بالأسلوب الأوروبي مبنية جميعها بأيادي الاساطين العرب.
المرتبة الثانية من حيث العدد يشغلها في مكة الماليزيون أو «جاوة» كما يسمونهم هنا نقلا عن اسم جزيرة جاوة. وهم يبرزون جدّا بملامحهم المتميزة ، ولذا من الممكن معرفتهم من النظرة الأولى رغم أنهم بأغلبيتهم يرتدون الألبسة العربية. ويقدّرون عدد الماليزيين بخمس عدد السكان الإجمالي في مكة أي قرابة ١٤ ـ ١٦ ألف نسمة ؛ وقد علمت من الأحاديث أن «جاوة» شرعوا يتوافدون إلى مكة في السنوات العشرين الأخيرة على الأخص بعضهم بدافع الشعور الديني وبعضهم الآخر بدافع المصالح التجارية. ويبلغ عدد الماليزيين الشبنا الذين يتعلمون هنا قرابة الفين ؛ وهناك بضع عشرات من المعلمين الماليزيين يتعاطى ثلاثة منهم خصيصا ترجمة الكتب العربية إلى لغتهم. ويتصف الماليزيون بسمة مميزة ، هي الطبع الهادئ ، المسالم ، الذي دخل هنا في الحديث العادي ، إذ يقولون «طيب ومسالم مثل جاوة» ، وكذلك التضامن المذهل فيما بينهم ؛ فإن الجاوة المحليين يعيشون جميعهم مشاعيات كبيرة ، بإشراف مدبّر ـ سيّد مشترك واحد منتخب لكل الجالية. أبناء القوميات الأخرى ، وبخاصة العرب ، يعاملون الماليزيين ببعض التعالي.