الإقامة في عرفات
موقف الحجاج عند عرفات عبارة عن سهل رملي عريض من الجانب الجنوبي لجبل عرفات ؛ وفي هذا السهل ينصبون مخيمهم الهائل الخارق الضيق ، والخالي من أي نظام. والحجاج بأغلبيتهم يجلبون معهم من مكة خياما يقيم فيها أكبر عدد ممكن منهم رغبة في التوفير. وبعض الحجاج يدبرون لأنفسهم بصورة اصطناعية ظلا بغرس بضع عصي في الأرض ومدّ قطعة من الخيش فوقها. والفئة المعدمة تأوي هنا قرب المسجد وتحتمي من الشمس تحت الصخور والشجيرات.
أثناء الإقامة في عرفات يأخذون الماء من مجرور المياه المكي ، وذلك بجلبه بواسطة آبار ـ منافذ للهواء مقامة هنا ، أو بأخذه من الأحواض المعدة لاستحمام الحجاج ؛ الماء الذاهب إلى مكة يمر عبر هذه الأحواض ، ونصبّ من جديد في المجرور العام ، ولكن السكان المحليين لا يخامرهم أي قلق أو شك من واقع أنهم سيشربون ماء استحم فيه بشر من كل شاكلة وطراز. وهم يقولون : «بموجب تعاليم الشريعة ، لا يتلوث هذا الماء ، وشربه مسموح حتى ولو كانت فيه جيفة».
عند أقدام الجبل يتشكل في الاخصاص بازار موقت يتاجرون فيه بالمؤونة حصرا ؛ وهنا بالذات يذبحون الأغنام لأجل البيع. وغير بعيد عن البازار ، يستقر البدو ويبيعون الأغنام والبطيخ والشمام والخضراوات الحطب والتبن ، وما إلى ذلك. وقرب كل خيمة يحجزون مربعا صغيرا ملفوفا بالخيش بحيث يقوم بدور المرحاض. وبين الخيام بالذات ، ترتع الجمال مع سواقيها ؛ وهنا بالذات تتراكم بقايا الأغنام التي يذبحها الحجاج لأنفسهم ؛ ولذا انتشرت قبيل مساء اليوم التالي (التاسع من ذي الحجة) من كل مكان رائحة نتنة قوية ؛ وقرب البازار لم يكن من الممكن إطلاقا المرور دون سد الأنف. ومن حسن الحظ أن الحجاج ملزمون بالبقاء هنا يوما واحدا فقط.