الفصل السابع
الكوليرا في الحجاز
كان وباء الكوليرا ووباء الطاعون معروفين في الجزيرة العربية من سحيق الأزمنة. ومن بداية العهد الاسلامي حتى أيامنا وصل قول مشهور جدّا ينسب للنبي محمد (صلىاللهعليهوسلم) يبدو كأنه يقرر الحجر الصحي ، إذ قال أنه لا يجوز دخول بلد يتفشى فيه الطاعون وإذا كان المرء فيه فلا ينبغي أن يفر منه. وفي الوقت الحاضر ، يستعمل العرب كلمة «الطاعون» لتعريف هذا المرض ، وكلمة «الوباء» لتعريف الكوليرا ؛ ولكن هذين المرضين أو الوبائين اختلطا من قبل ، على ما يبدو ، إذ أننا نجد مثلا العبارة التالية : «قال الخليل : الطاعون هو الوباء» ، وما إلى ذلك.
في السنوات المائة الأخيرة لم يسمع أحد عن الطاعون في الحجاز ، فتوطد بين السكان الاعتقاد بأن الله تقبل صلواته نبيّه ومنع هذا المرض إلى الأبد من المساس بالمدينتين المقدستين مكة المكرّمة والمدينة المنورة ، ولكن أوبئة الكوليرا تنشب أحيانا كثيرة في وقت توافد الحجاج إلى الحج وذلك ، بالمتوسط ، مرة كل ثلاث سنوات ، فتسفر في بعض السنوات عن نتائج رهيبة إذ تفتك بأكثر من نصف الحجاج وتمتد إلى أماكن ترحل البدو المجاورة وإلى نقاط آهلة أخرى في الجزيرة العربية.