الأسباب التي تساهم
في نشوب واشتداد الأوبئة في الحجاز
الحجاج الذين يتوافدون من أقطار بعيدة يشكلون بيئة مستعدة تماما لتقبل شتى الأمراض ـ فإن السفر المضني والطويل ، والأزدحام الخارق وكتمة الهواء الفائقة في البواخر ، والمآكل السيئة وغير الصالحة ، والمناخ الحار الرطب ، واللباس غير المألوف ، المفرط الخفة (ثوب الإحرام) ، كل هذا ينهك الجسم ويضعفه إلى أقصى حد. ومنذ الخطوات الأولى بالذات ، يصل الحجاج إلى جدّة أو إلى ينبع اللتين تتميزان بمناخ وخيم جدّا وبظروف صحية خارقة الرداءة ؛ وفي هذا الوضع ، يبقون ، بانتظار إنطلاق القافلة ، في جدّة يوما أو يومين ، وفي ينبع أسابيع أحيانا. ثم السفر المضني من جدّة إلى مكة أو السفر من ينبع عبر المدينة المنورة إلى مكة ، وهو سفر اشد إرهاقا. إن الظروف الصحية غير المرضية في مكة ، وشرب الماء من بئر زمزم بصورة فائقة الحد ، ثم الوضع الصحي الرديء بشكل لا يصدق عند عرفات ، وبخاصة في منى ، والطعام اللحمي الوفير لمناسبة العيد ، وسوء نوعية المشروبات المباعة في البازار ، والانقضاض على البطيخ والشمام وغيرهما من الثمار ـ كل هذا يجعل الحجاج أناسا شبه مرضى وذوي عضوية مستعدة لتقبل أي مرض كان.
إن اقدس المدن في الحجاز ـ المدينة المنورة ، وبخاصة مكة المكرّمة ، حيث يقيم الحجاج أطول ما يقيمون ، ليستا على الصعيد الصحي في الأوقات العادية اقذر من مدن الشرق الأخرى كالأحياء القديمة في دمشق أو القاهرة مثلا ، ولكن تجمع عدد ضخم جدّا من الناس والمواشي ، وضيق موقعي هاتين المدينتين ـ مكة والمدينة المنورة ـ والمناخ الحار ، كل هذا يخلق بيئة ملائمة جدّا لنشوب شتى الأوبئة.
من جراء التلوث الشديد ، يمكن أن يشكل عرفات بؤرة من بؤر