قلعة ، وبقربها سجن المدينة الذي كانت على مدخله مدافع. وبقرب بيت الوالي ، كانت تقوم ، من الجهة الشمالية ، عمارة ضخمة من طابقين (تكية) ، شبه مدمرة ، كانت تنزل فيها أغلبية الحجاج القادمين من مختلف أنحاء آسيا الوسطى ؛ ومن الجهة اليمنى كانت تقوم مرابض عسكرية لأجل بغال الركوب التي يركبها هنا الخيالة الأتراك. وإلى أبعد كانت تنتصب عمارات عسكرية مختلفة ، ثم إلى أبعد أيضا ، على سفوح الجبال ، كانت تبدو خيام بيضاء يعيش فيها الجنود الأتراك الذين يؤلفون حامية مكة. وبما أننا أقمنا على هذا النحو بين العساكر التركية وعلى مقربة من شقة الوالي ، فقد كنا مؤمّنين إلى هذا الحد أو ذاك م حيث السلامة الشخصية ، الأمر الذي لا يشغل المرتبة الخيرة في مكة ؛ فعنا جمهرة من الناس الجياع جاءت عن جهل بالوضع بدون أي وسائل للعيش ، ولذا ليس من النافل أبدا اتخاذ تدابير الحيطة والاحتراس. وفي الساحة الواقعة مقابل شقتي ، كانت تتجمع دائما قبيل المساء جموع من الحجاج العرب والهنود من عداد الذين لا مأوى لهم. في الليل كانوا ينامون في الساحة المكشوفة متمددين على التربة مباشرة ، دون أي فراش. وبما أن هذه الساحة هي في مكة المكان الوحيد الذي يمكن فيها استنشاق الهواء النقي نسبيّا ، فقد كان كثيرون من الحجاج ممن لا مأوى لهم يتوافدون إليها نهارا أيضا ؛ كانوا يسكبون الماء على أنفسهم دون أن يخلعوا ثياب الاحرام. وكان من المؤسف حقا النظر إلى هؤلاء المساكين! كانوا يرتدون ملابس فقدت لونها بسبب الوسخ والعرق ، وبالكد تصل حتى الركاب. وكان كل ما يملكونه عبارة عن صرر صغيرة جدّا ، وأباريق صغيرة من الصفيح للشاي ، ومظلات مكسرة. كانوا سودا وصفرا بحكم الطبيعة ، قذرين بشكل لا يصدق ، جياعا ، منهوكي القوى إلى أقصى حد ؛ كانوا عبارة عن كائنات تشبه حقا الأسماك المدخنة [...] ومهما كان المرء يشفق عليهم ، كان لا بدّ له من أن يأخذ منهم