أفانين العلوم ، فهو لدى كلّ علم من البديهي المعلوم ، وهو الذي أوضح لي من الشعر طرائقه ، وعرّفني (سائغه ورائقه) (١) ، وعنه أخذت علمي النحو والبيان ، وبعض أبواب الفقه والحساب ، فعادت عليّ بركات أنفاسه ، ولاحت لي لوامع نبراسه ، وحقّ لي أن أنشد بين يدي هذا المرشد :
ولو لم ألق غيرك في اغترابي |
|
لكان لقاؤك الخطر الجزيلا (٢) |
وقد أثبت من غرر كلامه ودرر نظامه ما يستنشق له ريّا ، ويباهى به عقد الثريّا. فمن ذلك ما أنشدنيه شفاها وهو قوله :
رفّت شمائله فقلت نسيم |
|
وزكت خلائقه فقلت شميم |
قصر الكلام على الملام وإنّما |
|
للّحظ في وجناته تكليم |
شرقت معاطفه بأفواه الصّبا |
|
وجرى عليه بضاضة ونعيم |
قد كاد تشربه العيون لطافة |
|
لكنّ سيف لحاظه مسموم |
ومن بديع شعره ، وسحر بيانه أو بيان سحره :
إذا أبصرت شخصك قلت بدر |
|
يلوح وأنت إنسان العيون |
جرى ماء الحياة بفيك حتّى |
|
أمنت عليك من ريب المنون |
وقوله من قصيدة فريدة :
طارت بلبّك حيث طار بها الهوى |
|
ورقاء قطّع نوحها الأكبادا |
غنّتك أحوج ما تكون إلى البكا |
|
هل تحسنين لواجد إسعادا |
ومزيّف للحبّ عندي قال لي |
|
والعيس تقدح للفراق زنادا (٣) |
ما بال قلبك لا يقرّ قراره |
|
أحلاله طعم الهوى فازدادا |
أمسك فؤادك إن مررت على اللّوى |
|
فأجبت هل أبقى الفراق فؤادا |
خفّض عليك من الملام فإنّني |
|
عوّدت قلبي حبّهم فاعتادا |
__________________
(١) في ك (سابقه ورافقه). وفي أ(سابقه ورائقه).
(٢) الخطر ـ هنا ـ : الشرف وارتفاع القدر.
(٣) في سلافة العصر / ٣٤١ (ومهون للوجد عندي).