ثم إن العسكر رحل من المنزل الى وادي المقتول (١) ونزل الافرنج عند ذلك عن الجبل إلى منزلهم ، والتجأوا الى جبل في المنزل ، وتواصلت إليهم ميرهم وأزوادهم وامدادهم من أعمالهم ، فعاد إليهم عسكر الأتراك من منزلهم جرائد في بضع عشرة كردوسا ، ولزموا أياما يرومون أن يخرجوا إليهم ، فلم يظهروا للحرب ، ولازم بعضم (١٠٢ و) بعضا الفارس والراجل في مكان واحد ، لا يظهر منهم شخص ، وجعل الأتراك يحملون عليهم فيصيبون منهم بالنشاب ما يقرب منهم ، ويمنعون الميرة والعلوفة عنهم ، وقد أحدقوا بهم كالنطاق أو هالة بدر الآفاق ، فاشتد الأمر بهم فرحلوا عن منزلهم في ثلاثة أيام تقدير فرسخ عائدين ، فلما كان الليل قصدوا الجبل الذي كانوا أولا عليه ملتجئين إليه ومحتمين به ، وواظب المسلمون قصدهم والتلهف على ما يفوت منهم ، ومن غنائمهم بالاستمرار على الاحجام عن ظهورهم ، على أن مقدمي العسكر يمنعونهم من التسرع إليهم والإقدام في منزلهم عليهم ، ويعدونهم بفرصة تنتهز فيهم ، فطال أمد المقام ، وضاقت صدور أصحاب مودود لبعد ديارهم ، وتأخر عودهم ، وتعذر أوطارهم ، فتفرق أكثرهم وعادوا إلى بلادهم ، فاستأذن آخرون في العود فأذن لهم ، وعزم مودود على المقام بالشام ، والقرب من العدو ينتظر ما يصله من الأمر السلطاني ، والجواب عما أنهاه وطالع به ، فيعمل بحسبه ، ولم يبق في بلاد الأفرنج مسلم ، إلا وأنفذ يلتمس الأمان من أتابك ، وتقرير حاله ، ووصل إليه بعض ارتفاع نابلس ، ونهبت بيسان ، ولم يبق بين عكا والقدس ضيعة عامرة ، والأفرنج على حالهم في التضييق عليهم ، والحصر على الجبل.
واقتضى الرأي عود أتابك ومودود ، فعادا إلى دمشق في الحادي والعشرين من شهر ربيع الأول سنة سبع وخمسمائة ، ونزل مودود في حجرة
__________________
(١) لم أجده في المصادر.