لجميع عساكره وما يحتاج إليه من عدده وأمواله وذخائره ومعه توابيت آبائه وأجداده على العادة في مثل هذه الحال ، وقيل إن كراعه كان يزيد على عشرين ألف رأس خيلا وبغالا وجمالا وحميرا ، وسار مسافة عشرة فراسخ في مدة سنة حتى نزل بلبيس (١) وأقام بظاهرها ، وعارضته علل مختلفة من نقرس وقولنج وحصى في المثانة ، واشتدّ به الأمر وكان (٣١ ظ) الأطباء إذا عالجوا مرضا من هذه الأمراض بدوائها زاد في قوة الأخرى واستحكامها وكان محتاجا الى الحمّام لاجل القولنج ولم يكن في منزله إلا حمام لرجل من أهلها ، فاشتد به فيه وبات للضرورة فيه وأصبح والقوة تضعف والألم يشتد ويتضايق إلى أن قضى نحبه في الحمام ، يوم الاثنين الثامن والعشرين من شهر رمضان سنة ست وثمانين وثلاثمائة ، وعمره إثنتان وأربعون سنة ، ونقش خاتمه «بنصر العليم الغفور ينتصر الامام أبو المنصور» ومولده في القيروان سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة ، ومدة أيامه إحدى وعشرين سنة وستة أشهر وأربعة وعشرين يوما ، وكان حسن السيرة مشتغلا بلذاته محبا المصيد متغافلا عن النظر في كثير مما كان أسلافه ينظرون فيه من إظهار علم الباطن وحمل الناس عليه ، وتوفي رحمهالله وهو مستمر على ذلك.
ثم ولي الأمر بعده ولده أبو علي المنصور الحاكم بأمر الله ، وكان معه ، فعهد إليه في الأمر ، ورد تدبير أمره إلى برجوان الخادم مربيه وحاضنه ، وكان عهد إليه أمر الحرم والقصور لثقة العزيز به ، وسكونه إليه ، ووصّى إليه بما اعتمد فيه عليه ، وحدّثت ستّ الملك ابنة العزيز نفسها بالوثوب على الأمر واجلاس ابن عمّها عبد الله وكانت مسمّاة عليه ، فأحسّ برجوان بذلك فقبض عليها وحملها مع ألف فارس إلى قصرها بالقاهرة ، ودعا الناس
__________________
(١) قصبة الحوف في مصر ولها أشجار ونخيل كثير. تقويم البلدان : ١١٨ ـ ١١٩.