التنور وعقد فيه عقدا يصح عندنا القياس به في ذلك. فلما كان في صبيحتها وتنادى الناس بالزيادة ، الزيادة الظاهرة ، خلص أحدنا في ذلك الزحام على صعوبة ومعه من استصحب الدلو وأدلاه فوجد القياس على حاله لم ينقص ولم يزد ، بل كان من العجب أن عاد للقياس ليلة السبت فألفاه قد نقص يسيرا لكثرة ما امتاح الناس منه ذلك اليوم. فلو امتيح من البحر لظهر النقص فيه ، فسبحان من خص به من البركة ووضع فيه من المنفعة.
وفي صبيحة يوم السبت الخامس عشر منه تتبعنا هذا القياس استبراء لصحة الحال فوجدناه على ما كان عليه ، ولو أن لافظا يلفظ ذلك اليوم بأنه لم يزد لصب في البئر صبا أو لداسته الاقدام حتى تذيبه ، نعوذ بالله من غلبات العوام واعتدائها وركوبها جوامح أهوائها.
ليلة النصف من شعبان
وهذه الليلة المباركة ، أعني ليلة النصف من شعبان ، عند أهل مكة معظمة للأثر الكريم الوارد فيها ، فهم يبادرون فيها الى أعمال البر من العمرة والطواف والصلاة أفرادا وجماعة ، فينقسمون في ذلك اقساما مباركة ؛ فشاهدنا ليلة السبت ، التي هي ليلة النصف حقيقة ، احتفالا عظيما في الحرم المقدس اثر صلاة العتمة ، جعل الناس يصلون فيها جماعات جماعات ، تراويح يقرءون فيها بفاتحة الكتاب وبقل هو الله أحد ، عشر مرات في كل ركعة الى أن يكملوا خمسين تسليمة بمائة ركعة ، قد قدمت كل جماعة اماما ، وبسطت الحصر وأوقدت الشمع واشعلت المشاعل وأسرجت المصابيح ومصباح السماء الأزهر الأقمر قد أفاض نوره على الأرض وبسط شعاعه. فتلاقت الأنوار في ذلك الحرم الشريف الذي هو نور بذاته ، فيا لك مرأى لا يتخيله المتخيل ولا يتوهمه المتوهم! فأقام الناس تلك الليلة على أقسام : فطائفة التزمت تلك التراويح مع الجماعة وكانت سبع