جماعات أو ثمانيا ؛ وطائفة التزمت الحجر المبارك للصلاة على انفراد ؛ وطائفة خرجت للاعتمار ؛ وطائفة آثرت الطواف على هذا كله ، أغلبها المالكية ، فكانت من الليالي الشهيرة المأمولة أن تكون من غرر القربات ومحاسنها ، نفع الله بها ولا أخلى من بركتها وفضلها وأوصل الى هذه المثابة المقدسة كل شيق اليها بمنه.
وفي تلك الليلة المباركة شاهد احمد بن حسان منا امرا عجيبا هو من غرائب الأحاديث المأثورات في رقة النفوس. وذلك أنه أصابه النوم عند الثلث الباقي من الليل ، فأوى الى المصطبة التي تحف بها قبة زمزم مما يقابل الحجر الأسود وباب البيت فاستلقى فيها لينام فاذا بإنسان من العجم قد جلس على المصطبة بإزائه مما يلي رأسه. فجعل يقرأ بتشويق وترقيق ، ويتبع ذلك بزفير وشهيق ، أحسن قراءة واوقعها في النفوس وأشدها تحريكا للساكن ، فامتنع المذكور من المنام استمتاعا بحسن ذلك المسموع وما فيه من التشويق والتخشيع ، الى أن قطع القراءة وجعل يقول :
ان كان سوء الفعال أبعدني ، |
|
فحسن ظني اليك قرّبني |
ويردد ذلك بلحن يتصدع له الجماد وينشق عليه الفؤاد. ومضى في ترديد ذلك البيت ودموعه تكف وصوته ترق وتضعف الى أن وقع في نفس أحمد بن حسان المذكور أنه سيغشى عليه ؛ فما كان بين اعتراض هذا الخاطر بنفسه وبين وقوع الرجل مغشيا عليه من المصطبة الى الارض الا كلا ولا ، وبقي ملقى كأنه لقى لا حراك به. فقام ابن حسان مذعورا لهول ما عاينه مترددا في حياة الرجل أو موته لشدة تلك الوجبة ، والموضع من الارض بائن الارتفاع ، وقام أحد من كان بازائه نائما ، وأقاما متحيرين ولم يقدما على تحريك الرجل ولا على الدنو منه الى أن اجازت امرأة أعجمية ، وقالت : هكذا تتركون هذا الرجل على مثل هذا الحال؟ وبادرت الى شيء من ماء زمزم فنضحت به وجهه ، ودنا المذكوران منه وأقاماه فعندما أبصرهما زوى وجهه للحين عنهما مخافة أن تثبت له صفة في اعينهما وقام من فوره آخذا الى جهة باب بني شيبة. وبقيا