فبعد لأي ما فتح لامرائهم المقربين فدخلوا.
وتمادى مقام سيف الاسلام في البيت الكريم مدة طويلة ، ثم خرج ، وانفتح الباب للكافة منهم. فيا له من ازدحام وتراكم وانتظام ، حتى صاروا كالعقد المستطيل وقد اتصلوا وتسلسلوا. فكان يومهم أشبه شيء بأيام السرو في دخولهم البيت ، حسبما تقدم وصفه. وركب الامير سيف الاسلام وخرج الى مضرب أبنيته بالموضع المذكور. وكان هذا اليوم بمكة من الايام الهائلة المنظر العجيبة المشهد الغريبة الشأن ، فسبحان من لا ينقضي ملكه ولا يبيد سلطانه ، لا اله سواه. وصحب هذا الامير جملة من حجاج مصر وسواها اغتناما لطريق البر والامن فوصلوا في عافية وسلامة ، والحمد لله.
وفي ضحوة يوم الخميس بعده كنا أيضا بالحجر المكرم ، فاذا بأصوات طبول ودبادب وبوقات قد قرعت الآذان وارتجت لها نواحي الحرم الشريف. فبينا نحن نتطلع لاستعلام خبرها طلع علينا الامير مكثر وغاشيته الاقربون حوله وهو رافل في حلة ذهب كأنها الجمر المتقد يسحب أذيالها وعلى رأسه عمامة شرب رقيق سحابي اللون قد علا كورها على رأسه كأنها سحابة مركومة وهي مصفحة بالذهب ، وتحت الحلة خلعتان من الدبيقي المرسوم البديع الصنعة ، خلعها عليه الامير سيف الاسلام ، فوصل بها فرحا جذلان ، والطبول والدبادب تشيعه عن أمر سيف الاسلام اشادة بتكرمته واعلاما بمأثرة منزلته. فطاف بالبيت المكرم شكرا لله على ما وهبه من كرامة هذا الامير بعد أن كان أوجس في نفسه خيفة منه ، والله يصلحه ويوفقه بمنه.
وفي يوم الجمعة وصل الامير سيف الاسلام للصلاة أول الوقت وفتح البيت المكرم ، فدخله مع الامير مكثر وأقاما به مدة طويلة ثم خرجا. وتزاحم الغز للدخول تزاحما أبهت الناظرين حتى أزيل الكرسيّ الذي يصعد عليه فلم يغن ذلك شيئا ، وأقاموا على الازدحام في الصعود باشالة بعضهم على بعض ، وداموا على هذه الحالة الى أن وصل الخطيب ، فخرجوا لاستماع الخطبة ، وأغلق الباب.