القامة يعترض على كل اثنين منها عود مبسوط ، فأدير بالشمع أعلاها وأحدق اسفلها ببقايا شمع كثير قد تقدم ذكره عند اول الشهر المبارك واحدق أيضا داخل تلك الدائرة شمع آخر متوسط ، فكان منظرا مختصرا ومشهدا عن احتفال المباهاة منزها موقرا ، رغبة في احتفال الأجر والثواب ومناسبة لموضع هيئة المحراب ؛ نصبت للشمع فيه عوضا من الأتوار أثافي من الأحجار. فجاءت الحال غريبة في الاختصار ، خارجة عن محفل التعاظم والاستكبار ، داخلة مدخل التواضع والاستصغار.
واحتفل جميع المالكية للختمة ، فتناوبها أئمة التراويح ، فقضوا صلاتهم سراعا عجالا ، كاد يلتقي طرفاها خفوقا واستعجالا. ثم تقدم احدهم فعقد حبوته بين تلك الاثافيّ وصدع بخطبة منتزعة من خطبة الصبي ابن الإمام الحنفي فأرسلها معادة الى الاسماع ثقيلا لحنها على الطباع ، ثم انفض الجمع ، وقد جمد في شؤونه الدمع ، واختطف للحين من أثافيه ذلك الشمع ، أطلقت عليه أيدي الانتهاب ، ولم يكن في الجماعة من يستحى منه أو يهاب. وعند الله تعالى في ذلك الجزاء والثواب ، انه سبحانه الكريم الوهاب.
وانتهت ليالي الشهر ذاهبة عنا بسلام ، جعلنا الله ممن طهر فيها من الآثام ، ولا أخلانا من فضل القبول ببركة صومه في جوار الكعبة البيت الحرام ، وختم الله لنا ولجميع أهل الملة الحنفية بالوفاة على الإسلام ، وأوزعنا حمدا يحق هذه النعمة وشكرا ، وجعلها للمعاد لنا ذخرا ، ووفانا عليها ثوابا من لديه وأجرا يرجى بفضله وكرمه ، انه لا يضيع لديه ايام اتخذ لصيامها ماء زمزم فطرا ، انه الحنان المنان ، لا رب سواه.
شهر شوال
استهل هلاله ليلة الثلاثاء السادس عشر من ينير ، يمن الله مطلعه ، ورزقنا بركته ، وهذا الشهر المبارك هو فاتحة أشهر الحج المعلومات ، وبعده تتصل