واسعة الاختطاط ، عتيقة الوضع ، قد درست الى منازل يسيرة متخذة للنزول تحف بجانبي طريق كأنه ميدان انبساطا وانفساحا ، ممتد الطول.
فأول ما يلقى المتوجه اليها عن يساره ، وبمقربة منها ، مسجد البيعة المباركة ، التي كانت أول بيعة في الاسلام ، عقدها العباس ، رضياللهعنه ، للنبي ، صلىاللهعليهوسلم ، على الانصار ، حسب المشهور من ذلك.
ثم يفضى منه الى جمرة العقبة ، وهي اول منى للمتوجه من مكة وعن يسار المار اليها ، وهي على قارعة الطريق مرتفعة للمتراكم فيها من حصى الجمرات. ولو لا آيات الله البينات فيها لكانت كالجبال الرواسي لما يجتمع فيها على تعاقب الدهور وتوالي الازمنة ، لكن الله ، عزوجل ، فيها سر كريم من اسراره الخفيات ، لا اله سواه. وعليها مسجد مبارك ، وبها علم منصوب شبه أعلام الحرم التي ذكرناها ، فيجعلها الرامي عن يمينه مستقبلا مكة ، شرّفها الله ، ويرمي بها سبع حصيات ، وذلك يوم النحر اثر طلوع الشمس ، ثم ينحر أو يذبح ويحلق ، والمحلق حولها ، والمنحر في كل موضع من منى ، لان منى كلها منحر ، كما قال ، صلىاللهعليهوسلم. وقد حل له كل شيء الا النساء والطيب حتى يطوف طواف الافاضة. وبعد هذه الجمرة العقبية موضع الجمرة الوسطى ، ولها أيضا علم منصوب ، وبينهما قدر الغلوة ، ثم بعدها يلقى الجمرة الأولى ومسافتها منها كمسافة الأخرى.
وفي وقت الزوال من ثاني يوم النحر ترمى في الأولى سبع حصيات ، وفي الوسطى كذلك ، وفي العقبة كذلك ، فتلك احدى وعشرون حصاة. وفي اليوم الثالث من يوم النحر ، في الوقت بعينه ، كذلك على الترتيب المذكور ، فتلك اثنتان واربعون حصاة في اليومين وسبع رميت في العقبة يوم النحر وقت طلوع الشمس ، كما ذكرناه ، وهي المحللات للحاج ما حرم عليه سوى النساء والطيب ، فتلك تكملة تسع وأربعين جمرة.
وفي إثر ذلك ينفصل الحاج إلى مكة من ذلك اليوم. واختصر في هذا الزمان