الرأس المكرّم أن لا تمسها النار بقدرة الله ، عزوجل.
فلما قضينا معاينة هذه المشاهد الكريمة أخذنا في الانصراف مستبشرين بما وهبنا الله من فضله في مباشرتها. ووصلنا إلى مكة قريب الظهر ، والحمد لله على ما منّ به.
وفي يوم الأحد بعده ، وهو الموفي عشرين لشوال ، صعدنا إلى الجبل المقدس حراء وتبركنا بمشاهدة الغار في أعلاه الذي كان النبي ، صلىاللهعليهوسلم ، يتعبد فيه ، وهو أول موضع نزل فيه الوحي عليه ، صلىاللهعليهوسلم ، ورزقنا شفاعته ، وحشرنا في زمرته ، وأماتنا على سنته ومحبته ، بمنه وكرمه ، لا رب سواه.
وفي ضحوة يوم الثلاثاء الثاني والعشرين منه ، وهو السادس من فبرير ، اجتمع الناس كافة للاستسقاء تجاه الكعبة المعظمة بعد أن ندبهم القاضي إلى ذلك وحرضهم على صيام ثلاثة أيام قبله. فاجتمعوا في هذا اليوم الرابع المذكور وقد أخلصوا النيات لله عزوجل ، وبكر الشيبيون ففتحوا الباب المكرم من البيت العتيق ، ثم أقبل القاضي بين رايتيه السوداوين لابسا ثياب البياض ، واخرج مقام الخليل ابراهيم ، صلىاللهعليهوسلم ، وعلى نبينا ، ووضع على عتبة باب البيت المكرم ، واخرج مصحف عثمان ، رضياللهعنه ، من خزانته ، ونشر بازاء المقام المطهر ، فكانت دفته الواحدة عليه والثانية على الباب الكريم. ثم نودي في الناس بالصلاة جامعة ، فصلى القاضي بهم خلف موضع المقام المتخذ مصلى ركعتين ، قرأ في إحداهما ب «سبح اسم ربك الاعلى» ، وفي الثانية بالغاشية ، ثم صعد المنبر ، وقد الصق الى موضعه المعهود من جدار الكعبة المقدسة ، فخطب خطبة بليغة والى فيها الاستغفار ووعظ الناس وذكرهم وخشعهم وحضهم على التوبة والإنابة لله عزوجل ، حتى نزفت دمعها العيون واستنفدت ماءها الشؤون وعلا الضجيج وارتفع الشهيق والنشيج ، وحول رداءه ، وحول الناس أرديتهم اتباعا للسنة.
ثم انفض الجميع راجين رحمة الله عزوجل غير قانطين منها ، والله يتلافى