الامير العراقي في جمع لم يصل قط مثله ، ووصل معه من أمراء الأعاجم الخراسانيين ومن النساء العقائل المعروفات بالخواتين ، واحدتهن خاتون ، ومن السيدات بنات الامراء كثير ، ومن سائر العجم عدد لا يحصى ، فوقف الجميع وقد جعلوا قدوتهم في النفر الإمام المالكي ، لأنه مذهب مالك ، رضياللهعنه ، يقتضي أن لا ينفر حتى يتمكن سقوط القرصة ويحين وقت المغرب. ومن السرو اليمنيين من نفر قبل ذلك. فلما أن حان الوقت أشار الإمام المالكي بيديه ونزل عن موقفه فدفع الناس بالنفر دفعا ارتجت له الأرض ووجفت الجبال ، فيا له موقفا ما أهون مرآه وأرجى في النفوس عقباه! جعلنا الله ممن خصه فيه برضاه ، وتغمده بنعماه ، إنه منعم كريم ، حنان منان.
وكانت محلة هذا الأمير العراقي جميلة المنظر ، بهية العدة ، رائقة المضارب والأبنية ، عجيبة القباب والاروقة ، على هيئات لم ير أبدع منها منظرا. فأعظمها مرأى مضرب الامير ، وذلك أنه أحدق به سرادق كالسور من كتان كأنه حديقة بستان أو زخرفة بنيان ، وفي داخله القباب المضروبة ، وهي كلها سواد في بياض ، مرقشة ملونة كأنها أزاهير الرياض. وقد جللت صفحات ذلك السرادق من جوانبه الاربعة كلها اشكال ذرقية من ذلك السواد المنزّل في البياض يستشعر الناظر اليها مهابة يتخيلها درقا لمطية قد جللتها مزخرفات الاغشية.
ولهذا السرادق الذي هو كالسور المضروب أبواب مرتفعة كأنها أبواب القصور المشيدة ، يدخل منها الى دهاليز وتعاريج ثم يفضى منها الى الفضاء الذي فيه القباب. وكأن هذا الامير ساكن في مدينة قد احدق بها سورها تنتقل بانتقاله وتنزل بنزوله ، وهي من الابّهات الملوكية المعهودة التي لم يعهد مثلها عند ملوك المغرب.
وداخل تلك الابواب حجاب الامير وخدمه وغاشيته ، وهي أبواب مرتفعة ، يجيء الفارس برايته فيدخل عليها دون تنكيس ولا تطأطؤ ، قد احكمت اقامة ذلك كله أمراس وثيقة من الكتان تتصل بأوتاد مضروبة ، أدير ذلك كله بتدبير