مسالك منه ولا أعلى مبنى ولا أعتق ولا أحفل منه ، وأسواقه في نهاية من الاحتفال أيضا. ومن العجب في وصفه أن بناءه تحت الأرض كبنائه فوقها وأعتق وأمتن ، لأن الماء من النيل يخترق جميع ديارها وأزقتها تحت الأرض فتتصل الآبار بعضها ببعض ويمد بعضها بعضا.
وعاينا فيها ايضا من سواري الرخام وألواحه كثرة وعلوا واتساعا وحسنا ما لا يتخيل بالوهم ، حتى انك تلفي في بعض الممرات بها سواري يغص الجو بها صعودا لا يدرى ما معناه ولا لم كان أصل وضعها. وذكر لنا أنه كان عليها في القديم مبان للفلاسفة خاصة ولأهل الرئاسة في ذلك الزمان ، والله أعلم ، ويشبه أن يكون ذلك للرصد.
منار الاسكندرية
ومن أعظم ما شاهدناه من عجائبها المنار الذي قد وضعه الله عزوجل على يدي من سخّر لذلك آية للمتوسمين وهداية للمسافرين ، لولاه ما اهتدوا في البحر الى بر الإسكندرية ، يظهر على أزيد من سبعين ميلا. ومبناه في غاية العتاقة والوثاقة طولا وعرضا ، يزاحم الجو سموا وارتفاعا ، يقصر عنه الوصف وينحسر دونه الطرف ، الخبر عنه يضيق والمشاهدة له تتسع.
ذرعنا أحد جوانبه الأربعة فألفينا فيه نيفا وخمسين باعا ويذكر ان في طوله أزيد من مئة وخمسين قامة. وأما داخله فمرأى هائل ، اتساع معارج ومداخل وكثرة مساكن ، حتى ان المتصرف فيها والوالج في مسالكها ربما ضلّ. وبالجملة لا يحصّلها القول ، والله لا يخليه من دعوة الإسلام ويبقيه.
وفي أعلاه مسجد موصوف بالبركة يتبرك الناس بالصلاة فيه ، طلعنا اليه يوم الخميس الخامس لذي الحجة المورخ وصلينا في المسجد المبارك المذكور.