ذنوبه والاعتراف بها ، فأطار الناس مائهم ، وبسطوا أيديهم للنبي ، صلىاللهعليهوسلم ، داعين له ، باكين ستضرّعين ، فما رأيت ليلة أكثر دموعا ، ولا أعظم خشوعا ، من تلك الليلة ، ثم انفض المجلس وانفضّ الأمير وانفضّت الخاتون من موضعها. وعند وصول صدر الدين المذكور ، أزيل الستر عنها وبقيت بين خدمها وكرائمها متلفعة في ردائها فعاينا من أمرها في الشهرة الملوكية عجبا.
وأمر هذا الرجل صدر الدين عجيب في قعدده وأبهته ، وملوكيته ، وفخامة آلته ، وبهاء حالته ، وظاهر مكنته ، ووفور عدته ، وكثرة عبيده وخدمته ، واحتفال حاشيته وغاشيته ، فهو من ذلك على حال يقصر عنها الملوك. وله مضرب كالتاج العظيم في الهواء ، مفتّح على أبواب على هيئة غريبة الوضع ، بديعة الصنعة والشكل ، تطل على المحلة من بعد ، فتبصره ساميا في الهواء. وشأن هذا الرجل العظيم لا يستوعبه الوصف ؛ شاهدنا مجلسه فرأينا رجلا يذوب طلاقة وبشرا ، ويخفّ للزائر كرامة وبرّا ، على عظيم حرمته وفخامة بنيته ، وهو أعطي البسطتين علما وجسما ، استجزناه فأجازنا نثرا ونظما. وهو أعظم من شاهدنا بهذه الجهات.
وفي يوم الجمعة المذكور ، وهو السابع من محرم ، شاهدنا من أمور البدعة أمرا ينادى له الاسلام : يا لله يا للمسلمين. وذلك أن الخطيب وصل للخطبة ، فصعد منبر النبي ، صلىاللهعليهوسلم ، وهو ، على ما يذكر ، على مذهب غير مرضي ، ضد الشيخ الإمام العجمي الملازم صلاة الفريضة في المسجد المكرم. فذلك على طريقة من الخير والورع ، لائقة بإمام مثل ذلك الموضع الكريم. فلما أذّن المؤذّنون قام هذا الخطيب المذكور للخطبة ، وقد تقدمته الرايتان السوداوان وقد ركزتا بجانبي المنبر الكريم ، فقام بينهما ، فلما فرغ من الخطبة الأولى ، جلس جلسة خالف فيها جلسة الخطباء المضروب بها المثل في السرعة ، وابتدر الجمع مردة من الخدمة يخترقون الصوف ، ويتخطون الرقاب ، كدية على الأعاجم والحاضرين لهذا الخطيب القليل التوفيق ، فمنهم من يطرح الثوب النفيس ،