من المدينة إلى العراق
وفي ضحوة يوم السبت الثامن لمحرّم المذكور ، والحادي والعشرين من شهر أبريل ، كان رحيلنا من المدينة المكرمة الى العراق ، قرّب الله لنا المرام وسهّل علينا السبيل. واستصحبنا منها الماء لثلاثة أيام ، فنزلنا يوم الاثنين ، ثالث يوم رحيلنا المذكور ، بوادي العروس ، فتزود الناس منها الماء ، يحفرون عليه في الأرض بئرا فينبع منها ماء عذب معين يروي الأمة التي لا يحصى لها عدد من هذه المحلة مع جمالها التي تنيف على عددها ، ولله القدرة سبحانه.
وصعدنا من وادي العروس الى ارض نجد ، وخلفنا تهامة وراءنا ، ومشينا في بسيطة من الأرض ينحسر الطرف دون أدناها ولا يبلغ مداها ، وتنسمنا نسيم نجد وهواءها المضروب به المثل ، فانتعشت النفوس والاجسام ببرد نسيمه وصحة هوائه. ونزلنا يوم الثلاثاء ، رابع يوم رحيلنا ، على ماء يعرف بماء العسيلة. ثم نزلنا يوم الأربعاء ، خامس يوم رحيلنا ، بموضع يعرف بالنّقرة ، وفيها آبار ومصانع كالصهاريج العظام ، وجدنا أحدها مملوءا بماء المطر ، فعم جميع المحلة ولم ينضب على كثرة المحلة واستماحتها.
وصفة مراحل هذا الأمير بالحاج أن يسري من نصف الليل الى ضحية ، ثم ينزل الى أول الظهر ، ثم يرحل وينزل مع العشاء الآخرة ، ثم يقوم نصف الليل ؛ هذا دأبه.
ونزلنا ليلة الخميس الثالث عشر لمحرم ، وسادس يوم رحيلنا ، على ماء يعرف بالقارورة ، وهي مصانع مملوءة بماء المطر ، وهذا الموضع هو وسط أرض نجد. وما أرى أن في المعمور أرضا أفسح بسيطا ، ولا أوسع أنفا ، ولا أطيب نسيما ولا أصح هواء ، ولا أمد استواء ، ولا أصفى جوا ، ولا انقى تربة ، ولا أنعش للنفوس والابدان ، ولا أحسن اعتدالا ، في كل الأزمان ، من ارض نجد. ووصف محاسنها يطول والقول فيها يتسع.