وفي يوم الخميس المذكور ، مع ضحوة النهار ، نزلنا بالحاجر ، والماء فيه في مصانع ، وربما حفروا عليه حفرا قريبة العمق يسمونها أحفارا ، واحدها حفر. وكنا نتخوف في هذا الطريق قلة الماء ، لا سيما مع عظم هذا الجمع الأنامي والأنعاميّ ، الذين لو وردوا البحر لأنزفوه واستقوه ، فأنزل الله من سحب رحمته ما أعاد الغيطان غدرانا ، وأجرى المسول سيولا ، وصيّر الوهاد مملوءة عهادا. فكنا نبصر مذانب الماء سائحة على وجه الأرض فضلا من الله ونعمة ، ولطفا من الله بعباده ورحمة ، والحمد لله على ذلك. وفي اليوم المذكور أجزنا بالحاجر واديين سيالين ، واما البرك والقرارات فلا تحصى.
وفي يوم الجمعة بعده نزلنا ضحوة النهار سميرة ، وهي موضع معمور ، وفي بسيطها شبه حصن يطيف به حلق كبير مسكون ، والماء فيه في آبار كثيرة الا أنها زعاق ومستنقعات وبرك ، وتبايع العرب فيها مع الحاج فيما أخرجوه من لحم وسمن ولبن ، ووقع الناس على قرم وعيمة ، فبادروا الابتياع لذلك بشقق الخام التي يستصحبونها لمشاراة الأعراب لأنهم لا يبايعونهم الا بها.
وفي ضحوة يوم السبت بعده نزلنا بالجبل المخروق ، وهو جبل في بيداء من الأرض ، وفي صفحه الأعلى ثقب نافذ تخترقه الرياح. ثم رحنا من ذلك الموضع وبتنا بوادي الكروش على غير ماء ، ثم أسرينا منه وأصبحنا على فيد يوم الأحد وهي حصن كبير مبرج مشرف في بسيط من الأرض يمتد حوله ربض يطيف به سور عتيق البنيان ، وهو معمور بسكان من الأعراب ، ينتعشون مع الحاج في التجارات والمبايعات وغير ذلك من المرافق ، وهناك يترك الحاج بعض زادهم اعدادا للإرمال من الزاد عند انصرافهم ، ولهم بها معارف يتركون أزودتهم عندهم. وهذا نصف الطريق من بغداد الى مكة على المدينة ، شرّفها الله ، أو أقل يسيرا ، ومنها الى الكوفة اثنا عشر يوما في طريق سهلة طيّبة ، والمياه فيها بحمد الله موجودة في مصانع كثيرة. ودخل أمير ألحاج هذا الموضع المذكور على تعبئة وأهبة ارهابا للمجتمعين به من الأعراب لئلا يداخلهم الطمع في الحاج ، فهم يلحظونهم مستشرفين الى مكانهم لكنهم لا يجدون اليهم سبيلا ، والحمد