وكانوا قبل ذلك يعبرون في المراكب ، فوجدوا هذا الجسر قد عقده الخليفة في مغيبهم ، ولم يكن عند شخوصهم الى مكة شرّفها الله.
وعبرنا الجسر ظهر يوم الأحد المذكور ونزلنا بشط الفرات على مقدار فرسخ من البلد ، وهذا النهر كاسمه فرات ، هو من أعذب المياه وأخفها ، وهو نهر كبير زخار ، تصعد فيه السفن وتنحدر.
والطريق من الحلة الى بغداد أحسن طريق وأجملها ، في بسائط من الأرض وعمائر ، تتصل بها القرى يمينا وشمالا. ويشق هذه البسائط أغصان من ماء الفرات تتسرب بها وتسقيها ، فمحرثها لاحد لاتساعه وانفساحه ، فللعين في هذا الطريق مسرح انشراح ، وللنفس مراح انبساط وانفساح ، والأمن فيها متصل ، بحمد الله سبحانه وتعالى.
شهر صفر سنة ثمانين
هلاله على الكمال من ليلة الاثنين ، بموافقة الرابع عشر من مايه ، استهل هلاله ونحن على شط الفرات بظاهر مدينة الحلة.
وفي ضحوة يوم الاثنين المذكور رحلنا وأجزنا جسرا على نهر يسمى النيل ، وهو فرع متشعب من الفرات ، وكان عليه ازدحام ، فغرق كثير من الناس والدواب في الماء. فتنحينا مريحين الى أن انفرج ذلك المزدحم وعبرنا على سلامة وعافية ، والحمد لله.
ومن مدينة الحلة يتسلسل الحاج أرسالا وأفواجا افواجا : فمنهم المتقدم ، والمتوسط ، والمتأخر ، لا يعرج المستعجل على المتعذر ، ولا المتقدم على المتأخر ، فحيثما شاؤوا من طريقهم نزلوا وأراحوا واستراحوا ، وسكنت نفوسهم من روعة نقر الكوس الذي كانت الافئدة ترجف له بدارا للرحيل واستعجالا للقيام ، فربما