كان النائم منهم يهذي بنقر الكوس فيقوم عجلا وجلا ثم يتحقق أنها من أضغاث أحلامه فيعود الى منامه.
ومن جملة الدواعي لافتراقهم كثرة القناطير المعترضة في طريقهم الى بغداد ، فلا تكاد تمشي ميلا الا وتجد قنطرة على نهر متفرع من الفرات ، فتلك الطريق أكثر الطرق سواقي وقناطير ، وعلى أكثرها خيام فيها رجال محترسون للطريق اعتناء من الخليفة بسبيل الحاج دون اعتراض منهم لاستنفاع بكدية أو سواها. فلو زاحم ذلك البشر تلك القناطير دفعة لما فرغوا من عبورها ولتراكموا وقوعا بعض على بعض.
والأمير طشتكين المتقدم الذكر يقيم بالحلة ثلاثة أيام الى أن يتقدم جميع الحاج ثم يتوجه الى حضرة خليفته. وهذه الحلة المذكورة طاعة بيده للخليفة. وسيرة هذا الامير بالرفق بالحاج والاحتياط عليهم والاحتراس لمقدمتهم وساقتهم وضم نشر ميمنتهم وميسرتهم سيرة محمودة ، وطريقته في الحزم وحسن النظر طريقة سديدة ، وهو من التواضع ولين الجانب وقرب المكان على وتيرة سعيدة ، نفعه الله ونفع المسلمين به.
وفي عصر يوم الاثنين المذكور نزلنا بقرية تعرف بالقنطرة كثيرة الخصب ، كبيرة الساحة ، متدفقة جداول الماء ، وارفة الظلال بشجرات الفواكه ، من أحسن القرى واجملها ، وبها قنطرة على فرع من فروع الفرات كبيرة محدودبة ، يصعد اليها وينحدر عنها ، فتعرف القرية بها ، وتعرف أيضا بحصن بشير. وألفينا حصاد الشعير بهذه الجهات في هذا الوقت الذي هو نصف مايه.
ورحلنا من القرية المذكورة سحر يوم الثلاثاء الثاني لصفر ، فنزلنا قائلين ضحوته بقرية تعرف بالفراش ، كثيرة العمارة ، يشقها الماء ، وحولها بسيط أخضر جميل المنظر. وقرى هذه الطريق من الحلة الى بغداد على هذه الصفة من الحسن والاتساع. وفي هذه القرية المذكورة خان كبير يحدق به جدار عال له شرفات صغار.