وأما أهلها فلا تكاد تلقى منهم الا من يتصنع بالتواضع رياء ، ويذهب بنفسه عجبا وكبرياء ، يزدرون الغرباء ، ويظهرون لمن دونهم الأنفة والإباء ، ويستصغرون عمن سواهم الاحاديث والأنباء ، قد تصور كل منهم في معتقده وخلده أن الوجود كله يصغر بالاضافة لبلده ، فهم لا يستكرمون في معمور البسيطة مثوى غير مثواهم ، كأنهم لا يعتقدون أن لله بلادا أو عبادا سواهم ، يسحبون أذيالهم أشرا وبطرا ، ولا يغيّرون في ذات الله منكرا ، يظنون أن أسنى الفخار في سحب الإزار ، ولا يعلمون أن فضله ، بمقتضى الحديث المأثور ، في النار ، يتبايعون بينهم بالذهب قرضا ، وما منهم من يحسن الله فرضا ، فلا نفقة فيها الا من دينار تقرضه ، وعلى يدي مخسر للميزان تعرضه ، لا تكاد تظفر من خواص أهلها بالورع العفيف ، ولا تقع من أهل موازينها ومكاييلها الا على من ثبت له الويل في سورة التطفيف ، لا يبالون في ذلك بعيب ، كأنهم من بقايا مدين قوم النبي شعيب. فالغريب فيهم معدوم الإرفاق ، متضاعف الإنفاق ، لا يجد من اهلها الا من يعامله بنفاق ، أو يهش اليه هشاشة انتفاع واسترفاق ، كأنهم من التزام هذه الخلة القبيحة على شرط اصطلاح بينهم واتفاق ، فسوء معاشرة أبنائها يغلب على طبع هوائها ومائها ، ويعلل حسن المسموع من أحاديثها وابنائها ، أستغفر الله الا فقهاءهم المحدثين ، ووعاظهم المذكرين ، لا جرم أن لهم في طريقة الوعظ والتذكير ، ومداومة التنبيه والتبصير ، والمثابرة على الإنذار المخوف والتحذير ، مقامات تستنزل لهم من رحمة الله تعالى ما يحط كثيرا من أوزارهم ، ويسحب ذيل العفو على سوء آثارهم ويمنع القارعة الصماء أن تحل بديارهم ، لكنهم معهم يضربون في حديد بارد ، ويرومون تفجير الجلامد ، فلا يكاد يخلو يوم من أيام جمعاتهم من واعظ يتكلم فيه ، فالموفق فيهم لا يزال في مجلس ذكر أيامه كلها ، لهم في ذلك طريقة مباركة ملتزمة.
مجالس علم ووعظ
فأول من شاهدنا مجلسه منهم الشيخ الإمام رضيّ الدين القزويني رئيس