مُبْصِراً إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ») فتمادى على هذا السين وحسن أي تحسين ، فكان يومه في ذلك أعجب من أمسه ، ثم أخذ في الثناء على الخليفة والدعاء له ولوالدته ، وكنى عنها بالستر الأشرف ، والجناب الأرأف. ثم سلك سبيله في الوعظ ، كل ذلك بديهة لا روية ؛ ويصل كلامه في ذلك بالآيات المقروءات على النسق مرة أخرى. فأرسلت وابلها العيون ، وابدت النفوس سر شوقها المكنون وتطارح الناس عليه بذنوبهم معترفين ، وبالتوبة معلنين ، وطاشت الألباب والعقول ، وكثر الوله والذهول ، وصارت النفوس لا تملك تحصيلا ، ولا تميّز معقولا ، ولا تجد للصبر سبيلا.
ثم في أثناء مجلسه ينشد بأشعار من النسيب مبرحة التشويق ، بديعة الترقيق ، تشعل القلوب وجدا ، ويعود موضعها النسيبي زهدا. وكان آخر ما أنشده من ذلك ، وقد أخذ المجلس مأخذه من الاحترام ، وأصابت المقاتل سهام ذلك الكلام :
أين فؤادي أذابه الوجد |
|
وأين قلبي فما صحا بعد |
يا سعد زدني جوى بذكرهم |
|
بالله قل لي فديت يا سعد |
ولم يزل يرددها والانفعال قد أثر فيه ، والمدامع تكاد تمنع خروج الكلام من فيه ، الى أن خاف الإفحام ، فابتدر القيام ، ونزل عن المنبر دهشا عجلا ، وقد أطار القلوب وجلا ، وترك الناس على أحر من الجمر ، يشيعونه بالمدامع الحمر.
فمن معلن بالانتحاب ، ومن متعفر في التراب. فيا له من مشهد ما أهول مرآه ، وما أسعد من رآه! نفعنا الله ببركته ، وجعلنا ممن فاز به بنصيب من رحمته ، بمنّه وفضله.
وفي أول مجلسه أنشد قصيدا نيّر القبس ، عراقي النفس ، في الخليفة ، أوله :
في شغل من الغرام شاغل |
|
من هاجه البرق بسفح عاقل |
يقول فيه عند ذكر الخليفة :
يا كلمات الله كوني عوذة |
|
من العيون للإمام الكامل |