هذا الموضع الى الموصل مرحلتان.
وأجزنا تلك العيون القارية ونزلنا قائلين ، ثم رحنا وسرنا الى العشي ، ونزلنا بقرية تعرف بالعقيبة ، ومنها تصبّح الموصل ان شاء الله. فأسرينا منها بعد نصف الليل ووصلنا الموصل عند ارتفاع النهار من يوم الثلاثاء الثالث والعشرين لصفر ، والخامس من يونيه ، ونزلنا بربضها في أحد الخانات بمقربة من الشط.
ذكر مدينة الموصل
هذه المدينة عتيقة ضخمة ، حصينة فخمة ، قد طالت صحبتها للزمن ، فأخذت أهبة استعدادها لحوادث الفتن ، قد كادت أبراجها تلتقي انتظاما لقرب مسافة بعضها من بعض ، وباطن الداخل منها بيوت ، بعضها على بعض ، مستديرة بجداره المطيف بالبلد كله ، كأنه قد تمكن فتحها فيه لغلظ بنيته وسعة وضعه ، وللمقاتلة في هذه البيوت حرز وقاية ، وهي من المرافق الحربية. وفي أعلى البلد قلعة عظيمة قد رص بناؤها رصا ، ينتظمها سور عتيق البنية مشيّد البروج ، وتتصل بها دور السلطان. وقد فصل بينهما وبين البلد شارع متّسع يمتد من أعلى البلد الى اسفله. ودجلة شرقي البلد ، وهي متصلة بالسور ، وأبراجه في مائها.
وللبلدة ربض كبير فيه المساجد والحمامات والخانات والأسواق ، وأحدث فيه بعض أمراء البلدة ، وكان يعرف بمجاهد الدين ، جامعا على شط دجلة ، ما أرى وضع جامع أحفل منه ، بناء يقصر الوصف عنه وعن تزيينه وترتيبه ، وكل ذلك نقش في الآجر. وأما مقصورته فتذكر بمقاصير الجنة ، ويطيف به شبابيك حديد ، تتصل بها مصاطب تشرف على دجلة لا مقعد أشرف منها ولا أحسن ، ووصفه يطول ، وانما وقع الإلماع بالبعض جريا الى الاختصار ، وأمامه مارستان حفيل من بناء مجاهد الدين المذكور.
وبنى أيضا داخل البلد وفي سوقه قيسارية للتجار ، كأنها الخان العظيم ،