تنغلق عليها أبواب حديد ، وتطيف بها دكاكين وبيوت ، بعضها على بعض ، قد جلي ذلك كله في أعظم صورة من البناء المزخرف الذي لا مثيل له. فما أرى في البلاد قيسارية تعدلها.
وللمدينة جامعان : أحدهما جديد ، والآخر من عهد بني أمية. وفي صحن هذا الجامع قبة ، داخلها سارية رخام قائمة ، قد خلخل جيدها بخمسة خلاخل مفتولة فتل السوار من جرم رخامها ، وفي أعلاها خصة رخام مثمنة يخرج عليها أنبوب من الماء خروج انزعاج وشدة ، فيرتفع في الهواء أزيد من القامة كأنه قضيب من البلور معتدل ثم ينعكس الى أسفل القبة. ويجمّع في هذين الجامعين القديم والحديث ، ويجمّع أيضا في جامع الربض. وفي المدينة مدارس للعلم نحو الستّ أو أزيد على دجلة ، فتلوح كأنها القصور المشرفة. ولها مارستان حاشا الذي ذكرناه في الربض.
وخص الله هذه البلدة بتربة مقدسة فيها مشهد جرجيس ، صلىاللهعليهوسلم ، وقد بني فيه مسجد ، وقبره في زاوية من أحد بيوت المسجد عن يمين الداخل اليه. وهذا المسجد هو بين الجامع الجديد وباب الجسر ، يجده المار الى الجامع من باب الجسر عن يساره. فتبرّكنا بزيارة هذا القبر المقدس والوقوف عنده ، نفعنا الله بذلك.
ومما خص الله به هذه البلدة أن في الشرق منها اذا عبرت دجلة على نحو الميل تل التوبة ، وهو التل الذي وقف به يونس ، عليهالسلام ، بقومه ودعا ودعوا حتى كشف الله عنهم العذاب ، وبمقربة منه على قدر الميل أيضا العين المباركة المنسوبة اليه ، ويقال : انه أمر قومه بالتطهر فيها واضمار التوبة ، ثم صعدوا على التل داعين.
وفي هذا التل بناء عظيم هو رباط يشتمل على بيوت كثيرة ومقاصر ومطاهر وسقايات ، يضم الجميع باب واحد ، وفي وسط ذلك البناء بيت ينسدل عليه ستر وينغلق دونه باب كريم مرصع كله ، يقال : انه كان الموضع الذي وقف فيه