المذكورة ، فرحلنا منها سحر يوم الثلاثاء المذكور ووصلنا نصيبين قبل الظهر من اليوم المذكور.
مدينة نصيبين أبقاها الله
شهيرة العتاقة والقدم ، ظاهرها شباب ، وباطنها هرم ، جميلة المنظر ، متوسطة بين الكبر والصغر ، يمتد أمامها وخلفها بسيط أخضر مد البصر ، قد أجرى الله فيه مذانب من الماء تسقيه ، وتطّرد في نواحيه ، وتحف بها عن يمين وشمال بساتين ملتفة الأشجار ، يانعة الثمار ، ينساب بين يديها نهر قد انعطف عليها انعطاف السوار ، والحدائق تنتظم بحافيه ، وتفيء ظلالها الوارفة عليه ، فرحم الله أبا نواس الحسن بن هانىء حيث يقول :
طابت نصيبين لي يوما فطبت لها |
|
يا ليت حظي من الدنيا نصيبين |
فخارجها رياضي الشمائل ، أندلسي الخمائل ، يرف غضارة ونضارة ، ويتألق عليه رونق الحضارة ، وداخلها شعث البادية باد عليه ، فلا مطمح للبصر اليه ، لا تجد العين فيه فسحة مجال ، ولا مسحة جمال. وهذا النهر ينسرب اليها من عين معينة منبعها بجبل قريب منها ، تنقسم منها مذانب تخترق بسائطها وعمائرها ويتخلل البلد منها جزء ، فيتفرق على شوارعها ويلج في بعض ديارها ويصل الى جامعها المكرم منه سرب يخترق صحنه ، وينصب في صهريجين : أحدهما وسط الصحن ، والآخر عند الباب الشرقي منه ، ويفضي الى سقايتين حول الجامع.
وعلى النهر المذكور جسر معقود من ضم الحجارة يتصل بباب المدينة القبلي. وفيها مدرستان ومارستان واحد ، وصاحبها معين الدين أخو عز الدين صاحب الموصل ، ابنا أتابك. ولمعين الدين أيضا مدينة سنجار ، وهي عن يمين الطريق