كم أدخلت من ملوكها في خبر كان ، ونسخت ظرف الزمان بالمكان ، أنّث اسمها فتحلت بزينة الغوان ، ودانت بالغدر فيمن خان ، وتجلت عروسا بعد سيف دولتها ابن حمدان ، هيهات! هيهات! سيهرم شبابها ، ويعدم خطابها ويسرع فيها بعد حين خرابها ، وتتطرق جنبات الحوادث إليها ، حتى يرث الله الأرض ومن عليها ، لا اله سواه ، سبحانه جلت قدرته.
وقد خرج بنا الكلام عن مقصده ، فلنعد الى ما كنا بصدده ، فنقول : ان من شرف هذه القلعة أنه يذكر أنها كانت قديما في الزمان الأول ربوة يأوي اليها ابراهيم الخليل ، عليه وعلى نبينا الصلاة والتسليم ، بغنيمات له فيحلبها هنالك ويتصدق بلبنها فلذلك سمّت حلب ، والله أعلم. وبها مشهد كريم له يقصده الناس ويتبركون بالصلاة فيه.
ومن كمال خلالها المشترطة في حصانة القلاع أن الماء بها نابع ، وقد صنع عليه جبان ، فهما ينبعان ماء فلا تخاف الظمأ أبد الدهر ، والطعام يصبر فيها الدهر كله ، وليس في شروط الحصانة أهم ولا آكد من هاتين الحلّتين. ويطيف بهذين الجبين المذكورين سوران حصينان من الجانب الذي ينظر للبلد ، ويعترض دونهما خندق لا يكاد البصر يبلغ مدى عمقه والماء ينبع فيه. وشأن هذه القلعة في الحصانة والحسن أعظم من أن ننتهي الى وصفه. وسورها الأعلى كله أبراج منتظمة ، فيها العلالي المنيفة ، والقصاب المشرفة ، قد تفتحت كلها طيقانا. وكل برج منها مسكون ، وداخلها المساكن السلطانية ، والمنازل الرفيعة الملوكية.
وأما البلد فموضوعه ضخم جدا ، حفيل التركيب ، بديع الحسن ، واسع الأسواق كبيرها ، متصلة الانتظام مستطيلة ، تخرج من سماط صنعة الى سماط صنعة أخرى الى ان تفرغ من جميع الصناعات المدنية ، وكلها مسقف بالخشب ، فسكانها في ظلال وارفة. فكل سوق منها تقيد الأبصار حسنا وتستوقف المستوفز تعجبا.
وأما قيساريتها فحديقة بستان نظافة وجمالا ، مطيفة بالجامع المكرم ، لا