لها ربضا كبيرا فيه من الخانات ما لا يحصى عدده. وبهذا النهر الأرحاء ، وهي متصلة بالبلد وقائمة وسط ربضه. وبهذا الربض بعض بساتين تتصل بطوله. وكيفما كان الأمر فيه داخلا وخارجا فهو من بلاد الدنيا التي لا نظير لها ، والوصف فيه يطول.
فكان نزولنا بربضه في خان يعرف بخان أبي الشكر ، فأقمنا به أربعة أيام ورحلنا ضحوة يوم الخميس السابع عشر لربيع المذكور ، والثامن والعشرين ليونيه. ووصلنا قنسرين قبيل العصر ، فأرحنا بها قليلا ثم انتقلنا الى قرية تعرف بتل تاجر ، فكان مبيتنا بها ليلة الجمعة الثامن عشر منه.
وقنسرين هذه هي البلدة الشهيرة في الزمان ، لكنها خربت وعادت كأن لم تغن بالأمس ، فلم يبق الا آثارها الدارسة ، ورسومها الطامسة ، ولكن قراها عامرة منتظمة لأنها على محرث عظيم مد البصر عرضا وطولا. وتشبهها من البلاد الأندلسية جيان ، ولذلك يذكر أن أهل قنسرين عند استفتاح الأندلس نزلوا جيان تأنسا بشبه الوطن وتعللا به مثلما فعل في أكثر بلادها ، حسب ما هو معروف.
ثم رحلنا من ذلك الموضع ، عند الثلث الماضي من الليل ، فأسرينا وسرنا الى ضحوة من النهار ، ثم نزلنا مريحين بموضع يعرف بباقدين في خان كبير يعرف بخان التركمان ، وثيق الحصانة. وخانات هذا الطريق كأنها القلاع امتناعا وحصانة ، وأبوابها حديد ، وهي من الوثاقة في غاية. ثم رحلنا من هذا الموضع وبتنا بموضع يعرف بتمنى في خان وثيق على الصفة المذكورة.
ثم أسحرنا منه يوم السبت التاسع عشر لربيع الأول المذكور ، وهو آخر يوم من يونيه ، ورأينا عن يمين طريقنا بمقدار فرسخين ، يوم الجمعة المذكور ، بلاد المعرة ، وهي سواد كلها بشجر الزيتون والتين والفستق وأنواع الفواكه ، ويتصل التفاف بساتينها وانتظام قراها مسيرة يومين ، وهي من أخصب بلاد الله وأكثرها أرزاقا. ووراءها جبل لبنان وهو سامي الارتفاع ، ممتد الطول ،