وذكر لنا أن لجامع عمرو بن العاص بمصر من الفائد نحو الثلاثين دينارا مصرية في كل يوم تتفرق في مصالحه ومرتبات قومته وسدنته (١) وأئمته والقراء فيه. ومما شاهدناه بالقاهرة أربعة جوامع حفيلة البنيان أنيقة الصنعة الى مساجد عدة.
وفي أحد الجوامع الخطبة اليوم ، ويأخذ الخطيب فيها مأخذ سنّي يجمع فيها الدعاء للصحابة ، رضياللهعنهم ، وللتابعين ومن سواهم ولأمهات المؤمنين زوجات النبي صلىاللهعليهوسلم ، ولعميه الكريمين حمزة والعباس ، رضياللهعنهما ، ويلطف الوعظ ويرقق التذكير حتى تخشع القلوب القاسية وتتفجر العيون الجامدة. ويأتي للخطبة لابسا السواد على رسم العباسية. وصفة لباسه بردة سوداء عليها طيلسان شرب (٢) أسود ، وهو الذي يسمى بالمغرب الإحرام ، وعمامة سوداء ، متقلدا سيفا. وعند صعوده المنبر يضرب بنعل سيفه المنبر في أول ارتقائه ضربة يسمع بها الحاضرين كأنها ايذان بالإنصات ، وفي توسطه أخرى ، وفي انتهاء صعوده ثالثة. ثم يسلم على الحاضرين يمينا وشمالا ويقف بين رايتين سوداوين فيهما تجزيع بياض قد ركزتا في أعلى المنبر.
ودعاؤه في هذا التاريخ للإمام العباسي أبي العباس أحمد الناصر لدين الله ابن الإمام أبي محمد الحسن المستضيء بالله ابن الإمام أبي المظفّر يوسف المستنجد بالله ، ثم لمحيي دولته أبي المظفر يوسف بن أيوب صلاح الدين ، ثم لأخيه ولي عهده أبي بكر سيف الدين.
قلعة القاهرة
وشاهدنا أيضا بنيان القلعة وهو حصن يتصل بالقاهرة حصين المنعة ، يريد السلطان أن يتخذه موضع سكناه ، ويمد سوره حتى ينتظم بالمدينتين مصر والقاهرة. والمسخّرون في هذا البنيان والمتولون لجميع امتهاناته ومؤونته العظيمة
__________________
(١) السدنة ، جمع سادن : خادم المسجد أو المعبد.
(٢) الشرب : ضرب من الحرير.