الشرق مع ما يتصل بها من القبلة يسيرا. والأرباض كبار ، والبلد ليس بمفرط الكبر ، وهو مائل للطول ، وسككه ضيقة مظلمة ، وبناؤه طين وقصب ، طبقات بعضها فوق بعض ، ولذلك ما يسرع الحريق اليه ، وهو كله ثلاث طبقات ، فيحتوي من الخلق على ما تحتوي ثلاث مدن ، لأنه أكثر بلاد الدنيا خلقا ، وحسنه كله خارج لا داخل.
وفي داخل البلد كنيسة لها عند الروم شأن عظيم ، تعرف بكنيسة مريم ، ليس بعد بيت المقدس عندهم أفضل منها. وهي حفيلة البناء ، تتضمن من التصاوير أمرا عجيبا تبهت الأفكار ، وتستوقف الأبصار ، ومرآها عجيب ، وهي بأيدي الروم ، ولا اعتراض عليهم فيها.
وبهذه البلدة نحو عشرين مدرسة ، وبها مارستانان قديم وحديث ، والحديث أحفلهما واكبرهما ، وجرايته في اليوم نحو الخمسة عشر دينارا ، وله قومة بأيديهم الأزمة المحتوية على اسماء المرضى وعلى النفقات التي يحتاجون اليها في الأدوية والأغذية وغير ذلك ، والأطباء يبكرون اليه في كل يوم ويتفقدون المرضى ويأمرون بإعداد ما يصلحهم من الأدوية والأغذية حسبما يليق بكل انسان منهم. والمارستان الآخر على هذا الرسم ، لكن الاحتفال في الجديد أكثر. وهذا القديم هو غربي الجامع المكرّم. وللمجانين المعتقلين أيضا ضرب من العلاج ، وهم في سلاسل موثقون ، نعوذ بالله من المحنة وسوء القدر. وتندر من بعضهم النوادر الظريفة ، حسبما كنا نسمع به. ومن أعجب ما حدثت به من ذلك : أن رجلا كان يعلم القرآن ، وكان يقرأ عليه أحد أبناء وجوه البلد ممن أوتي مسحة جمال ، واسمه نصر الله ، وكان المعلم يهيم به ، فزاد كلفه حتى اختبل وأدي الى المارستان ، واشتهرت علته وفضيحته بالصبي ، وربما كان يدخله أبوه اليه ، فقيل له : اخرج ، وعد لما كنت عليه من القرآن. فقال متماجنا تماجن المجانين : وأي قراءة بقيت لي؟ ما بقي في حفظي من القرآن شيء سوى : (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ) فضحك منه ، ومن قوله. ونسأل الله العافية له ولكل