المذكورة من مرقى في الجانب الغربي من بلاط الصحن كان صومعة في القديم ، وتمشينا على سطح الجامع المكرم ، وكله ألواح رصاص منتظمة ، كما قد تقدم الذكر لذلك ، وطول كل لوح أربعة أشبار ، وعرضه ثلاثة أشبار ، وربما اعترض في الالواح نقص أو زيادة ، حتى انتهينا الى القبة المذكورة ، فصعدنا اليها على سلم منصوب ، وريح الميد تكاد تطير بنا ، فحبونا في الممشى المطيف بها ، وهو من رصاص ، وسعته ستة اشبار ، فلم نستطع القيام عليه لهول الموقف فيه ، فأسرعنا الولوج في جوف القبة على أحد شراجيبها المفتحة في الرصاص ، فأبصرنا مرأى تحار فيه العقول ، وتقف دون ادراك هيبة وصفه الافهام ، وجلنا في فرش من الخشب العظام حول القبة الصغيرة الداخلة في جوف القبة الرصاصية على الصفة التي ذكرناها ، ولها طيقان يبصر منها الجامع ومن فيه ، فكنا نبصر الرجال فيه كأنهم الصبيان في المحاضر.
وهذه القبة مستديرة كالكرة ، وظاهرها من خشب قد شد باضلاع من الخشب الضخام موثقة بنطق من الحديد ، ينعطف كل ضلع عليها كالدائرة وتجتمع الأضلاع كلها في مركز دائرة من الخشب أعلاها. وداخل هذه القبة ، وهو ما يلي الجامع المكرم ، خواتيم من الخشب منتظم بعضها ببعض قد اتصل اتصالا عجيبا ، وهي كلها مذهبة بأبدع صنعة من التذهيب ، مزخرفة التلوين ، بديعة القرنصة ، ويرتمي الأبصار شعاع ذهبها ، وتتحير الألباب في كيفية عقدها ووضعها لإفراط سموّها ؛ أبصرنا من تلك الخواتيم الخشبية خاتما مطروحا جوف القبة ، لم يكن طوله أقل من ستة اشبار في عرض اربعة. وهي تلوح في انتظامها للعين كأن دور كل واحدة منها شبر أو شبران الغاية لعظم سموها.
والقبة الرصاص محتوية على هذه القبة المذكورة وقد شدت أيضا بأضلاع عظيمة من الخشب الضخام ، موثقة الاوساط بنطق الحديد ، وعددها ثمان واربعون ضلعا ، بين كل ضلع وضلع اربعة اشبار ، قد انعطفت انعطافا عجيبا ، واجتمعت أطرافها في مركز دائرة من الخشب أعلاها ، ودور هذه القبة