الرصاصية ثمانون خطوة ، وهي مئتا شبر وستون شبرا ، والحال فيها أعظم من أن يبلغ وصفها ، وانما هذا الذي ذكرناه نبذة يستدل بها على ما وراءها.
وتحت الغارب المستطيل المسمى النسر ، الذي تحت هاتين القبتين ، مدخل عظيم هو سقف للمقصورة ، بينه وبينها سماء جص مزينة ، وقد انتظم فيه من الخشب ما لا يحصى عدده ، وانعقد بعضها ببعض ، وتقوس بعضها على بعض ، وتركبّت تركيبا هائلا منظره. وقد أدخلت في الجدار كله دعائم للقبتين المذكورتين. وفي ذلك الجدار حجارة ، كل واحد منها يزن قناطير مقنطرة ، لا تنقلها الفيلة فضلا عن غيرها. فالعجب كل العجب من تطليعها الى ذلك الموضع المفرط السمو ، وكيف تمكنت القدرة البشرية لذلك ، فسبحان من ألهم عباده الى هذه الصنائع العجيبة ، ومعينهم على التأتي لما ليس موجودا في طبائعهم البشرية ، ومظهر آياته على ايدي من يشاء من خلقه ، لا اله سواه؟
والقبتان على قاعدة مستديرة من الحجارة العظيمة قد قامت فوقها أرجل قصار ضخام من الحجارة الصم الكبار ، وقد فتح بين كل رجل ورجل شمسية ، واستدارت الشمسيات باستدارتها ، والقبتان في رأي العين واحدة ، وكنينا عنها باثنين لكون الواحدة في جوف الاخرى ، والظاهر منها قبة الرصاص.
ومن جملة عجائب ما عايناه في هاتين القبتين أن لم نجد فيهما عنكبوتا ناسجا على بعد العهد من التفقد لهما من أحد والتعاهد لتنظيف مساحتهما ، والعنكبوت في أمثالهما موجود كثير. وقد كان حقق عندنا أن الجامع المكرم لا تنسج فيه العنكبوت ، ولا يدخله الطير المعروف بالخطاف ، وقد تقدم ذكرنا لذلك في هذا التقييد. فانصرفنا منحدرين ، وقد قضينا عجبا عجابا من هذا المنظر العظيم شأنه ، المعجز وضعه ، المرتفع عن الادراك وصفه ، ويقال : انه ما على ظهر المعمور أعجب منظرا ولا أبعد سموا ولا أغرب بنيانا