بعيد العمق كأنه الخندق السحيق المهوى ، تلتقي حافتاه ، ويتعلق بالسماء أعلاه ، يعرف بالاسطيل لو ولجته العساكر لغابت فيه ، لا منجى ولا مجال لسالكه عن يد الطالب فيه ؛ المهبط اليه والمطلع عنه عقبتان كؤودان ، فعجبنا من أمر ذلك المكان. فأجزناه ومشينا عنه يسيرا وانتهينا الى حصن كبير من حصون الافرنج يعرف بتبنين ، وهو موضع تمكيس القوافل ، وصاحبته خنزيرة تعرف بالملكة ، وهي أم الملك الخنزير صاحب عكة ، دمرها الله ، فكان مبيتنا أسفل ذلك الحصن ، ومكس الناس تمكيسا غير مستقصى ، والضريبة فيه دينار وقيراط من الدنانير الصورية على الرأس ، ولا اعتراض على التجار فيه لأنهم يقصدون موضع الملك الملعون ، وهو محل التعشير ، والضريبة فيه قيراط من الدينار ، والدينار أربعة وعشرون قيراطا.
وأكثر المعترضين في هذا المكس المغاربة ، ولا اعتراض على غيرهم من جميع بلاد المسلمين ، وذلك لمقدمة منهم أحفظت الافرنج عليهم ، سببها أن طائفة من أنجادهم غزت مع نور الدين ، رحمهالله ، أحد الحصون فكان لهم في أخذه غنى ظهر واشتهر ، فجازاهم الافرنج بهذه الضريبة المكسية ألزموها رؤوسهم ، فكل مغربي يزن على رأسه الدينار المذكور في اختلافه على بلادهم. وقال الافرنج : ان هؤلاء المغاربة كانوا يختلفون على بلادنا ونسالمهم ولا نرزأهم شيئا ، فلما تعرضوا لحربنا وتألبوا مع اخوانهم المسلمين علينا وجب أن نضع هذه الضريبة عليهم ، فللمغاربة في أداء هذا المكس سبب من الذكر الجميل في نكايتهم العدو يسهله عليهم ويخفف عنتهم عنهم.
ورحلنا من تبنين ، دمرها الله ، سحر يوم الاثنين ، وطريقنا كله على ضياع متصلة وعمائر منتظمة ، سكانها كلها مسلمون ، وهم مع الافرنج على حالة ترفيه ، نعوذ بالله من الفتنة ، وذلك أنهم يؤدون لهم نصف الغلة عند أوان ضمها وجزية على كل رأس دينار وخمسة قراريط ولا يعترضونهم في غير ذلك ، ولهم على ثمر الشجر ضريبة خفيفة يؤدونها ايضا. ومساكنهم بأيديهم وجميع أحوالهم