والصنع الجميل بمنه وكرمه ، لا معبود سواه. ونحن به منتظرون موافقة الريح وكمال الوسق ، بمشيئة الله عزوجل.
شهر رجب الفرد
استهل هلاله ليلة الثلاثاء ، بموافقة التاسع لشهر اكتوبر ، ونحن على ظهر المركب بمرسى عكة منتظرون كمال وسقه والاقلاع باسم الله تعالى وبركته وجميل صنعه وكريم مشيئته. وتمادى مقامنا فيه مدة اثني عشر يوما لعدم استقامة الريح.
وفي مهب الريح بهذه الجهات سر عجيب ، وذلك أن الريح الشرقية لا تهب فيها الا في فصلي الربيع والخريف ، والسفر لا يكون الا فيهما ، والتجار لا ينزلون الى عكة بالبضائع الا في هذين الفصلين. والسفر في الفصل الربيعي من نصف أبريل ، وفيه تتحرّك ريح الشرقية وتطول مدتها الى آخر شهر مايه ، واكثر واقل بحسب ما يقضي الله تعالى به. والسفر في الفصل الخريفي من نصف أكتوبر ، وفيه تتحرك الريح الشرقية ، ومدتها أقصر من المدة الربيعية ، وانما هي عندهم خلسة من الزمان قد تكون خمسة عشر يوما وأكثر واقل. وما سوى ذلك من الزمان فالرياح فيه تختلف ، والريح الغربية أكثرها دواما. فالمسافرون الى المغرب والى صقلية والى بلاد الروم ينتظرون هذه الريح الشرقية في هذين الفصلين انتظار وعد صادق ، فسبحان المبدع في حكمته ، المعجز في قدرته ، لا اله سواه.
وكنا طول هذه المدة التى أقمنا فيها على ظهر المركب نبيت في البر ونتفقد المركب في الأحيان. فلما كان سحر يوم الخميس العاشر لرجب المذكور ، والثامن عشر لأكتوبر ، أقلع المركب ، وكنا على عادتنا في البر بائتين ، ولم يحسن النهار