قوارير ولم يبق للجهات الأربع نفس يتنسم ، فبقينا لاعبين على صفحة ماء ، تخاله العين سبيكة لجين ، كأنا نجول بين سماءين. وهذا الهواء الذي يسميه البحريون الغليني.
وفي ليلة الخميس الرابع والعشرين لرجب المذكور ، وهو أول يوم من نونبر العجمي ، كان للنصارى عيد مذكور عندهم احتفلوا له في إسراج الشمع ، وكاد لا يخلوا أحد منهم ، صغيرا أو كبيرا ، ذكرا أو أنثى ، من شمعة في يده ، وتقدم قسيسوهم للصلاة في المركب بهم ، ثم قاموا واحدا واحدا لوعظهم وتذكيرهم بشرائع دينهم ، والمركب يزهر كله أعلاه وأسفله سرجا متقدة ، وتمادينا على تلك الحالة اكثر تلك الليلة ، ثم اصبحنا بمثل ذلك الهواء الساكن ، واتصل بنا ذلك الى ليلة الأحد السابع والعشرين منه ، فتحركت ريح شمالية ، فعاد المركب بها لحريته واستبشرت النفوس ، والحمد لله.
شهر شعبان المكرم
غم هلاله علينا ، فأكملنا عدة أيام رجب ، فهو على الكمال من ليلة الخميس ، بموافقة الثامن من نونبر ، وقد تم لنا على ظهر البحر ، ومن يوم إقلاعنا من عكة اثنان وعشرون يوما حتى عدمنا الأنس ، واستشعرنا القنط واليأس ، وصنع الله عزوجل مأمول ، ولطفه الحفي بنا كفيل بمنه وكرمه. وقل الزاد بأيدي الناس ، لكن هم من هذا المركب بمنة الله ، في مدينة جامعة للمرافق ، فكل ما يحتاج شراؤه يوجد ، من خبز ، وماء ، ومن جميع الفواكه والأدم ، كالرمان والسفرجل والبطيخ السندي والكمثرى والشاه بلوط والجوز والحمص والباقلاء نيا ومطبوخا والبصل والثوم والتين والجبن والحوت ، وغير ذلك مما يطول ذكره ؛ عاينا جميع ذلك يباع. وفي خلال هذه الايام كلها لم يظهر لنا بر ، والله يأتي بالفرج القريب.
ومات فيه رجلان من المسلمين ، رحمهماالله ، فقذفا في البحر ، ومن البلغريين اثنان أيضا ، ومات منهم بعد ذلك خلق كثير ، وسقط منهم واحد في البحر حيّا ، فاحتمله الموج أسرع من خطفة البارق ، وورث هؤلاء الأموات