نطلب من البر أثرا بعد عين ، ونرجم الظنون بين متى وأين ، والله عزوجل لطيف بعباده ، وكفيل بمعهود صنعه الجميل ومعتاده ، لا رب سواه.
شهر رمضان المعظم
استهل هلاله ليلة الجمعة السابع لشهر دجنبر ونحن بإزاء الأرض الكبيرة على متن البحر مترددين ، وقد من الله علينا بريح شرقية فاترة المهب سرنا بها سيرا رويدا حتى وصلنا هذا الموضع من ازاء الأرض الكبيرة المذكورة ، وأبصرنا فيها ضياعا وعمارة كثيرة ، أعلمنا أنها من قلورية ، وهي من بلاد صاحب صقلية ، لأن بلاده في الأرض الكبيرة تتصل نحو شهرين. وبهذا الموضع نزل كثير من البلغريين فائزين بأنفسهم لمسغبة مست أهل المركب لعدم الزاد ونفاده. وحسبك أنا كنا نقتصر على مقدار رطل من الخبز اليابس نتقسمه بين أربعة منا نبله بيسير من الماء فنتبلغ به. وكل من نزل من البلغريين باع فضلة زاده ، فترفق المسلمون بابتياع ما أمكن منه على غلائه وانتهى الى مقدار خبزة بدرهم من الخالص ، فما ظنك بمدة شهرين على ظهر البحر في مسافة ظن الناس أنهم يقطعونها في عشرة أيام او خمسة عشر يوما الغاية ، فالحازم من أدخل زاد ثلاثين يوما ، وسائر الناس لعشرين يوما ، ولخمسة عشر يوما.
ومن العجب في الاتفاقات في الأسفار البحرية أنا استطلعنا على ظهر البحر أهلة ثلاثة أشهر. : هلال رجب ، وهلال شعبان ، وهلال رمضان هذا. وفي يوم مستهله مع الصباح أبصرنا أمامنا جبل النار ، وهو جبل البركان المشهور بصقيلة ، فاستبشرنا بذلك ، والله تعالى يعظم أجورنا على ما كابدناه ، ويختم لنا بأجمل الصنع وأسناه ، ويوزعنا في كل حال شكر ما اولاه ، بمنه وكرمه.
ثم حركتنا من ذلك الموضع ريح موافقة ، فلما كان عشي يوم السبت ثاني الشهر المذكور اشتد هبوبها فزجت المركب تزجية سريعة ، فلم يكن الا كلا ولا حتى أدتنا الى أول المضيق والليل قد جن ، وهذا المضيق ينحصر فيه البحر الى مقدار ستة أميال ، وأضيق موضع فيه ثلاثة أميال يعترض من بر الأرض الكبيرة الى بر جزيرة صقلية ، والبحر بهذا المضيق ينصب انصباب السيل العرم ، ويغلي غليان المرجل ، لشدة انحصاره وانضغاطه ، وشقه صعب على