للأكفان ، فتفطرت قلوبنا له اشفاقا ودعونا له بحسن الخاتمة ، واتحفناه ببعض ما كان عندنا مما رغب فيه. وأبلغ في مجازاتنا ومكافأتنا واستكتمناه سائر اخوانه من الفتيان.
ولهم في فعل الجميل أخبار مأثورة ، وفي افتكاك الأسرى صنائع عند الله مشكورة. وجميع خدمتهم على مثل أحوالهم. ومن عجيب شأن هؤلاء الفتيان أنهم يحضرون عند مولاهم فيحين وقت الصلاة فيخرجون أفذاذا من مجلسه فيقضون صلاتهم. وربما يكونون بموضع تلحقه عين ملكهم فيسترهم الله عزوجل ، فلا يزالون بأعمالهم ونياتهم وبنصائحهم الباطنة للمسلمين في جهاد دائم ، والله ينفعهم ويجمل خلاصهم بمنه.
ولهذا الملك بمدينة مسينة المذكورة دار صنعة البحر تحتوي من الأساطيل على ما لا يحصى عدد مراكبه ، وله بالمدينة مثل ذلك.
مغادرة صقلية
فكان نزولنا في أحد الفنادق ، وأقمنا بها تسعة أيام ، فلما كان ليلة الثلاثاء الثاني عشر للشهر المبارك المذكور ، والثامن عشر لدجنبر ، ركبنا في زورق متوجهين الى المدينة المتقدم ذكرها ، وصرنا قريبا من الساحل بحيث نبصره رأي العين ، وأرسل الله علينا ريحا شرقية رخاء طيبة زجت الزورق أهنأ تزجية وسرنا نسرح اللحظ في عمائر وقرى متصلة وحصون ومعاقل في قنن الجبال مشرفة ، وأبصرنا عن يمننا في البحر تسع جزائر قد قامت جبالا مرتفعة : على مقربة من بر الجزيرة اثنتان منها ، تخرج منهما النار دائما ، وابصرنا الدخان صاعدا منهما ، ويظهر بالليل نارا حمراء ذات السن تصعد في الجو ، وهو البركان المشهور خبره ، وأعلمنا ان خروجها من منافس في الجبلين المذكورين يصعد منها نفس ناري بقوة شديدة تكون عنه النار ، وربما قذف فيها الحجر الكبير فتلقي به في الساعة الى الهواء لقوة ذلك النفس وتمنعه من الاستقرار والانتهاء الى القعر ، وهذا من أعجب المسموعات الصحيحة.
وأما الجبل الشامخ الذي بالجزيرة ، المعروف بجبل النار ، فشأنه أيضا عجيب ، وذلك أن نارا تخرج منه في بعض السنين كالسيل العرم ، فلا تمر بشيء الا أحرقته