نؤمل ركوب أحدهما ، وهو القاصد الى بر الأندلس ، والله بمعهود صنعه الجميل كفيل بمنه. وفي غربي هذه البلدة : أطرابنش المذكورة ، ثلاث جزائر في البحر على نحو فرسخين منها ، وهي صغار متجاورة : احداها تعرف بمليطمة ، والاخرى بيابسة ، والثالثة تعرف بالراهب ، نسبت الى راهب يسكنها في بناء أعلاها كأنه الحصن ، وهي مكمن للعدو ، والجزيرتان لا عمارة فيهما ، ولا يعمر الثالثة سوى الراهب المذكور.
شهر شوال
استهل هلاله ليلة السبت الخامس من ينير بشهادة ثبتت عند حاكم أطرابنش المذكورة بأنه أبصر هلال شهر رمضان ليلة الخميس ، ويوم الخميس كان صيام أهل مدينة صقلية المتقدم ذكرها ، فعيّد الناس على الكمال بحساب يوم الخميس المذكور ، وكان مصلّانا في هذا العيد المبارك بأحد مساجد أطرابنش المذكورة مع قوم من أهلها امتنعوا من الخروج الى المصلى لعذر كان لهم. فصلينا صلاة الغرباء ، جبر الله كل غريب الى وطنه ، وخرج أهل البلد الى مصلاهم مع صاحب أحكامهم وانصرفوا بالطبول والبوقات ، فعجبنا من ذلك ومن اغضاء النصارى لهم عليه. ونحن قد اتفق كراؤنا في المركب المتوجه ان شاء الله الى بر الأندلس ونظرنا في الزاد ، والله المتكفل بالتيسير والتسهيل.
ووصل أمر من ملك صقلية بعقلة المراكب بجميع السواحل بجزيرته بسبب الأسطول الذي يعمّره ويعده ، فليس لمركب سبيل للسفر الى أن يسافر الأسطول المذكور ، خيب الله سعيه ولا تمم قصده. فبادر الروم الجنويون ، أصحاب المركبين المذكورين ، الى الصعود فيهما تحصنا من الوالي ، ثم امتد سبب الرشوة بينهم وبينه فأقاموا بمركبيهم ينتظرون هواء يقلعون به. وفي هذا التاريخ المذكور وصلتنا أخبار موحشة من الغرب ، منها تغلب صاحب ميورقة على بجاية ، والله لا يحقق ذلك ويجعل العاقبة والهدنة للمسلمين بمنه وكرمه.
والناس في هذه المدينة يرجمون الظنون في مقصد هذا الأسطول الذي يحاول هذا الطاغية تعميره ، وعدد اجفانه ، فيما يقال ، ثلاث مئة : بين طرائد ومراكب ، يقال : اكثر من ذلك ، ويستصحب معه نحو مئة سفينة تحمل الطعام ، والله يقطع به ويجعل الدائرة عليه. فمنهم من يزعم أن مقصده الإسكندرية ، حرسها الله وعصمها ، ومنهم من يقول : ان مقصده ميورقة ، حرسها الله ، ومنهم من يزعم