أن مقصده إفريقية ، حماها الله ، ناكثا لعهده في السلم بسبب الأنباء الموحشة الطارئة من جهة المغرب. وهذا أبعد الظنون من الإمكان لأنه مظهر للوفاء بالعهد ، والله يعين عليه ولا يعينه ، ومنهم من يرى أن احتفاله انما هو لقصد القسطنطينية العظمى بسبب ما ورد من قبلها من النبأ العظيم الشأن ، المهدي للنفوس بشائر تتضمن عجائب من الحدثان ، وتشهد للحديث المأثور عن المصطفى ، صلىاللهعليهوسلم ، بصدق البرهان ، وذلك بأنه ذكر أن صاحبها توفي وترك الملك بعده لزوجه ولها ابن صغير ، فقام ابن عم له في الملك وقتل الزوج المذكورة وثقف الابن المذكور ، ثم ابنا للثائر المذكور عطفته الرحم على الابن المعتقل فأطلق سبيله ، وكان أبوه قد أمره بقتله ، فرمت به الاقدار الى هذه الجزيرة بعد خطوب جرت عليه ، فوردها على حالة ابتذال ، ومهنة استعمال ، خادما لأحد الرهبان ، مسدلا على شارته الملوكية سترا من الامتهان ، ففشي الأمر ، وذاع السر ، ولم يغن عنه ذلك الستر. فاستحضر عن أمر الملك الصقلي غليام ، المذكور قبل ، واستنطق واستفهم ، فزعم أنه عبد لذلك الراهب وخديمه ، ثم ان طائفة من الروم الجنويين المسافرين الى القسطنطينية أثبتوا صفته وحققوا أنه هو مع مخايل ودلائل ملوكية لاحت منه : منها ، فيما ذكر لنا ، أن الملك غليام خرج في يوم زينة له وقد اصطف الناس للسلام عليه وأحضروا الفتى المذكور في جملة الخاصة ، فصقع الجميع خدمة للملك وتعظيما لطوعه عليهم الا ذلك الفتى فإنه لم يزد على الايمان في السلام ، فعلم أن الهمة الملوكية منعته من المدخل مدخل السوقة ، فاعتنى به الملك غليام وأكرم مثواه وأذكى عيون الاحتراس عليه خوفا من اغتيال يلحقه بتدسيس من ابن عمه الثائر عليه.
وكانت له أخت موصوفة بالجمال علق بها ابن العم الثائر على الملك المذكور ، فلم يمكنه تزويجها بسبب أن الروم لا تنكح في الاقارب ، فحمله الحب المصمي والهوى المصم المعمي ، والسعادة التي تفضي بصاحبها الى العاقبة الحسنى وترمي ، على أخذها والتوجه بها الى الأمير مسعود صاحب الدروب وقونية وبلاد العجم المجاورة للقسطنطينية ، وقد تقدم ذكر غنائه في الإسلام فيما مضى من هذا التقييد ، وحسبك أن صاحب القسطنطينية لم يزل يؤدي الجزية اليه ولصالحه على ما يجاوره من البلاد ، فأسلم مع ابنة عمه على يده ، وسيق له صليب ذهب قد احمي